بذل المسؤولون الحكوميون في إدارة مراقبة الفيضانات جهوداً مضنية لإغلاق قناة الشارع 17 التي تسببت في إغراق مدينة نيوأورليانز، لكنهم تعرضوا أثناء قيامهم بهذه الجهود لانتقادات لاذعة بسبب الفرص العديدة الضائعة عبر السنوات الماضية لتفادي هذا النوع من الكوارث. وقد أقر أفراد من فرقة المهندسين في الجيش الأميركي من خلال اللقاءات التي أجريت معهم أنه لم يكن بوسعهم مطلقاً اكتشاف الفجوات في السدود والقنوات المحيطة بنهر المسيسيبي، والتي تمتد على طول 350 متراً تلتف حول مدينة نيوأورليانز في ظل الإمكانات الموجودة. وهي الفجوات التي لو اكتشفت في البداية ولاقت حظها من العناية لما غرقت أحياء بأكملها في مياه النهر التي تسربت من السدود والقنوات وفاضت على السكان.
ويؤكد المسؤولون والمهندسون أنهم لم يألوا جهداً في منع تسرب المياه. فمباشرة بعد اكتشاف فجوة كبيرة في الجدار الإسمنتي شرق القناة انكبوا على معالجتها بما توفر من معدات. غير أن جهودهم تلك أحبطت بسبب عدم توفر المروحيات الكافية وصعوبة إغلاق الفجوة من الأرض، فاكتفوا بمراقبة المياه عاجزين وهي تغمر أحياء المدينة وتلحق الضرر بالممتلكات. وفي هذا الصدد يقول الجنرال "كارل ستروك" قائد فرقة المهندسين في الجيش إن "الأولوية أعطيت لإنقاذ الأشخاص العالقين في المياه، لذا سخرت معظم المروحيات لهذا الغرض وما تبقى منها كان غير كافٍ لردم الفجوة ومنع تسرب المياه". بالإضافة إلى ذلك كانت فرقة المهندسين دائما تعاني من الافتقار إلى التمويل الكافي الذي يضمن القيام بأعمال الصيانة للسدود المحيطة بنهر المسيسيبي، علاوة على كون الفرقة لم تكن سيدة قرارها، بل هي خاضعة لوكالة الطوارئ الفيدرالية التي تقوم بوضع الخطط وتحديد الأولويات.
وقد دافع قائد فرقة المهندسين الجنرال "ستروك" عن سياسة بوش ونفى أن تكون الحرب في العراق قللت من قدرتهم على مواجهة الأخطار الداخلية مثل إعصار كاترينا، حيث قال "إنني لا أرى علاقة بين الحرب في العراق، وما يجري في نيوأورليانز. وعلى كل حال نحن مازلنا مستعدين لبذل قصارى جهدنا لحصر المياه ومنع تدفقها نحو المدينة". لكن السيد "ألفريد نعومي"، مدير المشروعات في فرقة المهندسين يرى غير ذلك، حيث يعتقد أن نظام الحماية في المدينة كان يعاني منذ فترة من تقادم معاييرها الوقائية. فحسب رأيه تم وضع النظام منذ عدة سنوات، لكنه ظل جامداً دون أن يواكب التطورات المتلاحقة في ميدان التخطيط وحماية المدن. ويقول السيد نعومي "إن إعصار كاترينا فاق كل التوقعات، ولم يترك فرصة لنظام الحماية للقيام بدوره، لأنه بكل بساطة تم تجاوزه وأصبح عديم الجدوى". ونتيجة لعجز السلطات الفيدرالية عن التصرف بكفاءة اجتاحت مشاعر الغضب الكثير من المسؤولين بما في ذلك "مارثا مادين" وهي مستشارة في التخطيط الاستراتيجي في واشنطن حيث عبرت عن صدمتها لما جرى ووجهت سهام نقدها إلى فرقة المهندسين التي لم توفر ما يلزم في مثل هذه الظروف من أكياس رملية وحواجز من الخرسانة المسلحة لمنع تدفق المياه وغمرها للمدينة.
لكن الجدل حول نظام الحماية الخاص بمدينة نيوأورليانز بدأ منذ 1965 عندما شرعت الحكومة في إنجاز مشروع حماية المدينة، والذي يهدف إلى إقامة شبكة من السدود والحواجز تحد من الخسائر التي كان يخلفها فيضان نهر الميسيسيبي، حيث تصاعدت بعض الأصوات المشككة في جدوى هذا المشروع باهظ التكلفة. وعلى الرغم من موافقة الحكومة على إنجاز مشروع نظام الحماية الذي يرمي إلى حماية المدينة، فإن الميزانية المرصودة للمشروع لا تكفي لإنهائه في الموعد المحدد، وهو ما فاقم من الوضع الحالي. وبالنظر إلى الأسباب التي دفعت الحكومة إلى الإقدام على المشروع نكتشف أن الموقع الجغرافي لمدينة نيوأورليانز على الساحل الشرقي الجنوبي للولايات المتحدة جعلها عرضة للعديد من الأعاصير والعواصف الاستوائية التي تضرب المنطقة. وقد بدأت موجة الأعاصير ابتداء من إعصار "بتسي" الذي ضرب المدينة سنة 1965، ثم أعقبه إعصار آخر في 1969 سُجل على أنه ثاني أقوى إعصار يضرب ساحل المسيسيبي.
ويرجع السبب في احتدام الجدل بين المسؤولين فيما يخص تدعيم البنية التحتية لحماية المدينة إلى ما يتطلبه ذلك من ضخ المزيد من الأموال وتقاطع مصالح العديد من المعنيين المحليين والمسؤولين الفيدراليين. وحسب "آدم هيوز" المحلل في إحدى وكالات مراقبة المشاريع الحكومية، فإنه كثيراً ما غلّب المسؤولون الحكوميون الحاجات الآنية على الحاجات بعيدة المدى التي تتطلب ميزانيات أكبر. ولو أن الحكومة أولت العناية اللازمة بالبنى التحتية لمدينة نيوأورليانز، خصوصا في مجال بناء السدود والقنوات المانعة لفيضانات المياه، لما خلف إعصار "كاترينا" كل ذلك الدمار. بيد أن السيد "بوب شيتس"، وهو عالم جوي عمل في المركز الوطني لرصد الأعاصير إلى غاية 1995، ينحي باللائمة على المسؤولين المحليين، معتبراً إياهم المسؤولين الأساسيين عما حدث. وهو ا مازال يذكر كيف حذر المسؤولين المحليين باقت