خلال الأيام القادمة، وبينما تحاول أميركا كلها والسكان على امتداد خليج المكسيك التكيف مع آثار الإعصار " كاترينا"، سيجري تذكيرنا باستمرار بأنه من الأهمية بمكان أن تكون لدينا وكالة فيدرالية قادرة على التعامل مع كوارث طبيعية من هذا النوع. فما حدث يعتبر كارثة إنسانية مروعة ستطال آثارها الملايين من السكان، وستتجاوز قدرات وإمكانيات الولاية والحكومة المحلية، وستكون بحاجة إلى نوع من الاستجابة على المستوى القومي.
وهذا في الحقيقة يجعل من الصعب علينا فهم الأسباب التي جعلت الوكالة الأولى المنوط بها التعامل مع مثل هذه الكوارث وهي "وكالة إدارة الأزمات الفيدرالية" تتعرض إلى تقليص مستمر في دورها بل وإلى عملية شبه تفكيك من قبل وزارة الأمن الداخلي.
كما هو معروف، فإن وزارة الأمن الداخلي تهتم اهتماماً يكاد يكون كاملا بحماية البلاد من الأعمال الإرهابية. وطالما أن الأمر كذلك فما السبب إذن في قيامها بإعلان أن وكالة إدارة الأزمات الفيدرالية لم تعد مسؤولة عن الاستعدادات التي تجري لمواجهة الكوارث الطبيعية، خصوصاً لو وضعنا في اعتبارنا أن لبلادنا سجلاً طويلاً في الكوارث الطبيعية. وأنا هنا أقدم هذا النعي للوكالة التي كانت تعتبر فيما مضى مثالا بارزا على القدرة على تحقيق الكثير من الأعمال الخيرة للشعب الأميركي في أوقات الأزمات:
نشأت الوكالة عام 1979 كي تحل محل عدد من الوكالات الفيدرالية التي كانت تعمل بدون تنسيق في مجال مواجهة الكوارث. وكان الإعصار "أندرو" الذي ضرب فلوريدا عام 1992، هو الإعصار الذي أدى إلى تقوية وضع الوكالة. ففي العام الذي تلا وقوع هذه الكارثة الطبيعية، قام الرئيس "بيل كلينتون" بتعيين "جيمس لي ويت" مديراً لها. وكان "ويت" وهو أول مدير متخصص يتولى مسؤولية إدارة الوكالة يهتم بشكل خاص بالأكلاف التي تترتب على الكوارث الطبيعية وتأثيرها الاقتصادي وما تسببه من خسائر بشرية. ومن هذا المنظور فإن المسألة الأولى التي ركز عليها اهتمامه كانت هي الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية والتخفيف من آثارها. وفي هذا الإطار قام بتدشين مشروع للتخفيف من آثار الكوارث تحت اسم Project Impact. وفيما بعد تم رفع مستوى هذا المشروع ليتحول إلى هيئة على مستوى وزاري اعترافاً بأهميته في تنسيق الجهود على المستويات الحكومية والوزارية.
وقاتل "ويت" من أجل الحصول على مخصصات فيدرالية غير أنه لم ينجح سوى في الحصول على 20 مليون دولار كأعلى تقدير. ومع ذلك فإن الوكالة حققت المعجزات في مجال عمل الاستعدادات اللازمة لمواجهة الكوارث الطبيعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر الزلزال "نيسكوالي".
وكان قدوم إدارة جورج دبليو بوش في يناير 2001 بمثابة بداية النهاية لوكالة إدارة الأزمات الفيدرالية. فالرؤساء الذين عينوا لإدارتها من قبل إدارة بوش لم يبدوا سوى اهتمام ضئيل بعملها، أو بالمهام التي كان يسعى "ويت" إلى القيام بها. وبعد ذلك جاء الحادي عشر من سبتمبر، وتم إنشاء وزارة الأمن الداخلي التي قامت بضم الوكالة إليها.
وفي العام الجاري أعلنت الوزارة أن وظيفة الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية لم تعد من ضمن الوظائف المنوطة بالوكالة. وفي هذا الإطار اتخذت ترتيبات لاستبدال الوكالة بمكاتب إدارة طوارئ محلية على مستوى المدن والولايات، وهي مكاتب لا تزال حائرة بشأن الكيفية التي يمكن أن تقوم من خلالها بعملها في إطار قومي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن تركيز وزارة الأمن الداخلي أساسا هو الوقاية ضد الإرهاب. صحيح أن أميركا قد تتعرض لهجوم إرهابي آخر، وصحيح أيضا أننا يجب أن نكون مستعدين لمثل هذا الاحتمال، إلا أنني أستطيع أن أُؤكد أن احتمال تعرضنا إلى أعاصير وفيضانات وزلازل وبراكين وعواصف رعدية وانهيارات جلدية وطينية أكثر بكثير من احتمال تعرضنا لهجوم إرهابي. فمثل هذه الظواهر الطبيعية قادمة إن آجلا أو عاجلا، حتى وإن كنا قد قمنا - وبصورة مبالغ فيها في الحقيقة- بتقليص قدرتنا على مواجهتها والتعامل معها.
إيريك هولدمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير مكتب إدارة الأزمات الفيدرالية بكنج كاونتي - واشنطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"