شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة ظاهرة تعدد المؤسسات التي تمنح جوائز سنوية للمبدعين في المجالات المتنوعة. وهذا التوجه من حيث المبدأ شيء جميل ومطلوب ويحسب للقائمين عليه.
غير أن هناك ثمة ملاحظات وعلامات استفهام حول عمل اللجان التي تختار الفائزين والمعايير المتبعة في منح الجوائز والأعمال التي ترشح للفوز. فإذا ما استبعدنا عملية اختيار الأعمال والأسماء والتي لا تخلو عادة من الانحياز تبعا لهوية المؤسسة المانحة والهوى الفكري لأعضاء لجان التحكيم، فإن عدداً غير قليل من الجوائز تُمنح مقابل أبحاث لا صلة لها بمشاكل العالم المعاصر أو لا تضيف إلى التراث الإنساني جديداً تنتفع به البشرية.
وحتى لو تجاوزنا هذا الخلل واعتبرناه موضوعا قابلا للجدل، فإننا نصطدم بمنحى معيب في الجوائز العربية هو اقتصارها في الغالب الأعم على الباحثين الأكاديميين أو العاملين في مجالات العلوم والثقافة والفنون، بمعنى استبعاد الشخصيات الطبيعية والاعتبارية التي تناضل من أجل مجتمعات أقل فساداً وتمييزا وظلماً وأكثر ديمقراطية وعدالة وتطبيقا لمعايير حقوق الإنسان. وبمعنى آخر، فإنه يندر إقدام المؤسسات العربية على منح جوائزها للناشطين من أجل تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، في الوقت الذي تتسابق في تكريم أسماء ثبت نفاقها وانتهازيتها وتقلباتها الفكرية، بل تبشيرها بالأفكار المتخلفة والرجعية وترويجها لطروحات أكل الدهر عليها وشرب ونام.
ولعل أحدث الأمثلة على هذا المنحى هو ما جرى مؤخرا في دولة خليجية، حينما قامت مؤسسة تابعة لإحدى البيوتات التجارية الكريمة ذات الأيادي البيضاء في مجال البر بتكريم شخصية عربية يطيب لها أن تتسمى بمفكر إسلامي مع منحه جائزة بعشرات الآلاف من الدولارات مقابل بحث تراثي لا يقدم ولا يؤخر. والسؤال الذي ربما تردد بعد هذه الواقعة هو ألم يكن من الأفضل منح تلك الجائزة لأحد المواطنين المبدعين فعلا– وما أكثرهم– أو منحها لجمعية من الجمعيات الوطنية المكافحة ضد الفقر والمرض والبطالة أو على الأقل حجبها مؤقتا، بدلا من ذهابها إلى أحد مروجي فكر الكراهية والتشدد ودعاة الإقصاء والعنف بحسب ما تنضح به مقالاته الصحفية وأحاديثه التلفزيونية؟.
وفي الوقت الذي يحدث هذا على صعيد جوائزنا، نجد حدوث النقيض في حالة الجوائز الآسيوية، وبما يشير حقيقة إلى أننا لسنا فقط متخلفين عن آسيا في مجالات التنمية والنهضة وإنما أيضا في أمور كثيرة أخرى. فجائزة آسيوية مثل جائزة "ماغسايساي" التي توازي في أهميتها جائزة نوبل العالمية وتعتبر الأشهر والأقدم على صعيد القارة، تمنح سنويا للمتميزين والمبدعين في حقول ستة هي: السلام والتفاهم العالمي - النشاط الحكومي- الخدمة العامة- قيادة المجتمع- الصحافة والتواصل الخلاق- الحراك والتغيير الاجتماعي.
وهي لئن أسسها الفلبينيون تخليداً لذكرى ثالث رؤسائهم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية "رومان ديل فييرو ماغسايساي" والذي تميزت شخصيته بالنزاهة والبذل والعطاء والولع بخدمة شعبه ودعم حرياتهم وحقوقهم الأساسية، فإن نطاقها الجغرافي تجاوز الفلبين ليشمل كل دول جنوب آسيا والشرق الأقصى.
يحصل الفائز بجائزة "ماغسايساي" على شهادة تقدير وميدالية ومبلغ 50 ألف دولار. ومنذ إنشائها في عام 1957، أي في العام الذي توفى فيه ماغسايساي، بلغ عدد الفائزين بها 248 شخصية من جنسيات آسيوية مختلفة. وفي حالات كثيرة سارع الفائزون إلى التبرع بمكافآتهم النقدية للفقراء والأيتام والمعوقين وضحايا الحروب والعنف والتعذيب، الأمر الذي لم نشهد له مثيلا عند الفائزين العرب وتحديداً عند أولئك الذين يلبسون عباءة الدين المقصبة.
ويكفينا هنا استعراض الأسماء الفائزة بجائزة "ماغسايساي" لعام 2005 ودواعي استحقاقهم لها كي نتبين البون الشاسع الذي يفصلنا عن آسيا لجهة الأسماء والأعمال الحاصدة للتكريم والمكافأة.
ففي مجال الصحافة والتواصل الخلاق مع المجتمع ذهبت الجائزة إلى الصحفي البنغلاديشي "مطيع الرحمن" رئيس تحرير صحيفة "بروتوم ألو" لتبنيه الدفاع عن النساء اللواتي يتعرضن للتشويه بالأحماض من قبل الجماعات الأصولية المتشددة في بلاده، ولحملاته من أجل توفير الأموال اللازمة لمعالجة ضحايا تلك الجرائم، ناهيك عن شجاعته في تجيير صفحات جريدته للتبصير بأخطار الإيدز والمخدرات والإرهاب والتطرف الديني رغم كل تهديدات المتشددين وتجار الموت.
وفي مجال النشاط الحكومي فاز البرلماني التايلاندي "جون أونغباكورن" لجلده وإصراره على الدفاع عن حقوق واحتياجات مواطنيه الأكثر فقرا وتهميشا. فمن خلال رئاسته للجنتي الصحة والتنمية الاجتماعية في مجلس الشيوخ التايلاندي، كرس الرجل كل وقته وجهده ونفوذه من أجل الاهتمام بإصلاح أوضاع المهمشين والأقليات ولا سيما لجهة إنقاذهم من مرض الإيدز وتوفير الخدمات الأساسية لهم والدفاع عنهم في مواجهة سطوة الملاك المتنفذين وضمان حصولهم على تعويضات مجزية في حالات تهجيرهم من قراهم لأغراض إقامة المشاريع