رالف بيتر مؤلف كتاب:"المجد الجديد: توسيع نطاق السيادة الأميركية" الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة، هو كولونيل أميركي متقاعد، وضابط استخبارات سابق، ومتفرغ الآن لتأليف الكتب وممارسة الكتابة السياسية في صفحات الرأي بالصحف الأميركية. وبعض ما يعرضه "رالف بيتر" في هذا الكتاب يتميز بالإثارة والجدية، ويختلف من نواحٍ عديدة عن كل ما نسمعه ونشاهده ونقرؤه في وسائل الإعلام المختلفة. وعلى الرغم من أن بعض ما يطرحه المؤلف في هذا الكتاب قد لا يروق لبعض القراء، وخصوصا الأميركيين، فإننا ننصح أمثال هؤلاء القراء بألا يضيق صدرهم بما يطرحه المؤلف، وأن يواصلوا القراءة لعل ما يطرحه من آراء وأفكار يدفعهم في النهاية إلى إعادة التفكير في آرائهم وأفكارهم الخاصة. وفي الحقيقة أنه مما يحسب للمؤلف في هذا الكتاب أنه وهو يقوم بطرح تلك الأفكار والآراء - التي قد تبدو غريبة للوهلة الأولى- لا يلجأ إلى ذلك التعالي ولا إلى تقمص دور المعلم والأستاذ، كما يفعل بعض المؤلفين أحياناً وهو ما يكون له في معظم الأحيان مردود سلبي على القراء، وإنما نراه يقوم بالتمهيد لتلك الأفكار والآراء ثم يقوم بطرحها في موضعها السليم من السياق. من هذه الأفكار، على سبيل المثال، ضرورة قيام أميركا بإعادة النظر في نمط علاقاتها مع أوروبا والذي ساد طوال فترة الحرب الباردة. وسبب دعوة المؤلف هذه كما يقول، هو التحجر الفكري الذي تعاني منه البلاد الأوروبية، وخصوصا فيما يتعلق بتعاملها مع أميركا وتفاعلها مع دورها على الساحة العالمية.
والمؤلف يصف الأوروبيين بأنهم قوم فاسدون حتى النخاع، وأن هذا الفساد هو الذي يحول بينهم وبين الإقدام على عمل أي شيء، ويدفعهم في النهاية إلى التحجر ومن ثم الأفول التدريجي. وينضم المؤلف إلى تلك الفئة من النقاد التي شنت هجوما ساحقا ولاذعا على موقف فرنسا وألمانيا من الحرب ضد العراق وموقفهما تجاه الكثير من المسائل والقضايا المشتركة مع أميركا. وهو يقول إن تلك المواقف لا علاقة لها بمبادئ القانون الدولي، وليست نابعة من حرص هاتين الدولتين على السلام، وإنما هي تعود لحسابات خاصة هدفها في الأساس مناوأة القوة الأميركية. وعلى الرغم من اعتراف المؤلف فيما يتعلق بهذه الجزئية بأنه من حق كل دولة في العالم أن تنتهج السياسات التي تحقق مصالحها وأمنها القومي، فإنه يقول إن موقف هاتين الدولتين تحديداً يرجع في الأساس إلى حقدهما على أميركا ورغبتهما في لعب دور مهيمن على الساحة الدولية، مع محاولتهما في الوقت ذاته تجنب تقديم التضحيات المادية والبشرية المطلوبة، مثلما تفعل الولايات المتحدة، التي تتحمل أكلافاً باهظة للتصدي لقضايا عالمية، وتتبنى توجهات إيجابية في التعاطي مع دول العالم، تقوم على مشاركة تلك الدول في حل الكثير من مشكلاتها وفي مواجهة آثار الكثير من الكوارث التي تضربها، كما أنها بدأت تنحو وبشكل تدريجي ومتزايد في الآن ذاته، لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم وإعطاء هذا النمط من العلاقات أولوية بدلا من الاعتماد على استخدام القوة كأسلوب وحيد في حل المشكلات، وهو الأسلوب الذي أساء كثيرا إلى الصورة العالمية لأميركا.
ويدعو المؤلف بلاده إلى إبداء المزيد من الشراسة والعنف في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب، حتى تستطيع أن تلحق الهزيمة الساحقة بالعدو الذي تحاربه، وبحيث تدفع مثل هذا العدو إلى طلب السلام في النهاية. وهو مع ذلك يدعو بلاده إلى رفض أي محاولة من جانب الإرهابيين للتفاوض معها، لأن مجرد موافقتها على ذلك يمكن أن يتيح لهم الفرصة للتظاهر أمام شعوبهم على الأقل بأنهم قد كسبوا الحرب ضد أميركا، وإلا فما الذي يدفعها وهي أقوى دولة في العالم إلى الجلوس معهم؟
بعد ذلك يتطرق المؤلف إلى موضوع له علاقة بخلفيته كضابط سابق في الجيش الأميركي وهو هيكل القوات المسلحة الأميركية ومهامها في القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الإطار ينتقد المؤلف الخطط التي يتبناها وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد لتغيير شكل القوات المسلحة الأميركية في القرن الحادي والعشرين ويقول إنها خطط غير ملائمة. ومن ضمن الأشياء التي ينتقدها المؤلف في هذه الخطط، تركيزها المبالغ فيه على القوات الجوية ودورها في الحرب الحديثة، على الرغم من أن تلك القوات لم يكن لها دور يذكر في حسم الصراعات التي تخوضها أميركا حاليا في العراق وأفغانستان، حيث لجأ المتمردون في العراق بشكل خاص إلى اتباع تكتيكات أدت إلى تحييد دور تلك القوات. وهو يقترح على السلطات التي تقوم بالتخطيط للقوات المسلحة الأميركية في القرن الحادي والعشرين أن تخصص الأموال التي تنوي إنفاقها على تطوير القوات الجوية من أجل تطوير الجيش (القوات البرية ) والقوات البحرية وقوات المارينز. كما يقترح أن تقتصر تشكيلات القوات الجوية في القوات المسلحة على ما كان يعرف في السابق باسم "فيلق طيران الجيش" الذي كانت مهمته الأساسية تنحصر في تقديم الدعم والإسناد للقوات المقاتلة على الأرض.
ومن الأجزاء المهمة في