يعتبر هذا الكتاب لمؤلفه "إجناسيو راموني"، مدير تحرير "لوموند ديبلوماتيك" الصحيفة الفرنسية ذائعة الصيت، محاولة جديدة لإعادة تجميع الأحداث التي قادت إلى الاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003. فمن خلال الكتاب يطرح المؤلف رؤيته حول الحرب ويضعها على محك المساءلة بالنظر إلى التبريرات التي قدمت لها من قبل الإدارة الأميركية، والحقائق التي رشحت في وقت لاحق وأدت إلى فضح المستور وكشف المخبوء أمام الرأي العام الدولي. والكتاب بالطبع يعكس وجهة نظر المواطن الأوروبي الذي واجه الحرب على العراق بتشكك، كما يعبر عن ذلك النهج النقدي الذي جبل عليه الأوروبيون، والفرنسيون على وجه التحديد. لقد جاء احتلال الولايات المتحدة للعراق على أساس أجندة أميركية في السياسة الخارجية سطرها مجموعة من المتنفذين يعكسون مصالح عسكرية واقتصادية معينة. وهي الأجندة التي شكلت نقطة الانطلاق لنظام يتسم بالهيمنة على باقي القوى الدولية، وبذلك تكون أميركا قد أفصحت بشكل سافر عن رؤيتها الخاضعة والمنصاعة كلية لمنطق القوة بصرف النظر عن الشرعية الدولية. هذه الشرعية التي مرغت في الوحل عندما همشت واشنطن الأمم المتحدة وتجاهلت دورها في الترخيص لاستعمال القوة.
ويبدأ المؤلف في تركيب الأحداث المفضية إلى الغزو ثم الاحتلال بالرجوع إلى تصريحات المسؤولين البريطانيين الذين أصروا على إثارة مخاوف العالم إزاء أسلحة الدمار الشامل التي اتهموا النظام العراقي بتطويرها. وهي الأسلحة التي تبث لاحقا أنه لا وجود لها فوق أرض العراق تماماً، كما كانت تؤكد ذلك تقارير لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة. ولسوء حظ العراق كانت أجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية منهمكة في تلفيق الملفات التي تفيد بتورط صدام حسين في تصنيع أسلحة الدمار الشامل. وفي هذا الصدد استشهد المؤلف بما صرح به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عندما قال إن الأسلحة النووية العراقية "يمكن أن تُجهز في مدة 45 دقيقة من إصدار الأمر بذلك". كما تم تلفيق كذبة أخرى تتعلق بشراء العراق لليورانيوم من النيجر واستعماله في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وهي الادعاءات التي كان يعلم مروجوها منذ البداية عدم صدقيتها ومجافاتها للحقيقة. ويكشف المؤلف التناقض الذي يطبع تصريحات بعض المسؤولين حيال مسألة الأسلحة، حيث يورد كيف استمات كولن باول وزير الدفاع الأميركي في اجتماع مجلس الأمن في فبراير 2003 دفاعاً عن فكرة تطوير النظام العراقي لفيروس الجمرة الخبيثة وغاز الأعصاب التي أكد أن نظام صدام حسين يقوم بتصنيعها في مختبرات متحركة يصعب رصدها من قبل المفتشين. بيد أنه في تصريحات سابقة، وتحديدا في فبراير 2001 قال إن العراق أبعد ما يكون عن تطوير أسلحة الدمار الشامل بالنظر إلى العقوبات الأممية التي لم تترك له الفرصة حتى لتطوير أسلحته التقليدية. وحسب المؤلف، فإن كولن باول كان مستاءً من الخطاب الذي قُدم له لقراءته في مجلس الأمن، وذُكر عنه أنه قال: "لن أقرأ هذا الهراء"، غير أن تدخل جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية أقنعه بتغيير رأيه.
ويعتقد راموني أن قرار غزو العراق اتخذ قبل وقت طويل من موعد تنفيذه، إذ يرجع تاريخ القرار إلى نوفمبر 2001 حيث جاء نتيجة رغبة بوش ومن معه في الاستفادة من الترخيص الذي حصل عليه البيت الأبيض لـ"محاربة الإرهاب" بعد هجمات 11 سبتمبر واستغلاله في تنفيذ أجندته الشخصية المتمثلة في الهيمنة الأميركية على المناطق الاستراتيجية في العالم. ولدعم فكرته يستشهد "راموني" بما جاء في كتاب بوب وودورد "خطة الهجوم" والذي قال فيه إن أحداث 11 سبتمبر شكلت "هدية من السماء" إلى فريق بوش لكي يشن هجومه على العراق. وكان الهدف الذي سعى إليه فريق بوش هو إقامة علاقة ما بين نظام صدام حسين وتنظيم "القاعدة" واتهامه بالضلوع في الهجمات. وقد لجأ "المحافظون الجدد" لهذه الافتراءات لإلهاب حماس الشعب الأميركي وإقناعه بضرورة شن الحرب ضد العراق، حيث صورت على أنها حرب ضد معاقل الإرهابيين.
ويورد المؤلف تصريحات بعض الصحف التي أعربت في ذلك الوقت عن استغرابها من الإجماع الأميركي حول مشروع الحرب وعدم تصاعد أصوات معارضة في الوسط الإعلامي، مثل تصريح "لويس لبهام" المحرر في المجلة الأميركية "هاربرز" حيث قال: "إن القرار المستعجل الذي منح الرئيس سلطة كاملة لغزو العراق في أي وقت دون وجود صوت معارض في الكونجرس، يدل على خضوع السواد الأعظم في مجلسي النواب والشيوخ لإرادة البيت الأبيض".
ويخصص المؤلف جزءا مهماً من كتابه للحديث عن عملية التضليل والدعاية التي مارستها الإدارة الأميركية سواء قبل غزو العراق أم بعده. ويشير في هذا الصدد إلى تواطؤ وسائل الإعلام مع الخطاب الرسمي والانسياق وراء تبريره والتماس الأعذار له. ولم تسلم من ذلك حتى كبريات الصحف الأميركية كـ"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" اللتين قدمتا مؤخرا ما يشبه الاعتذار لقرائهما لاصطفافهما الفاضح وراء خطاب إدارة بوش وعدم توخيهما أسلوب النقد والمس