من التنبؤ بقوة الإعصار قبل 12 أو 24 ساعة من ضربه الأرض مما سيتيح فرصة لإنذار السكان وتجنب الخسائر في الأرواح.
فمن خلال التجارب السابقة التي امتدت لسنوات طويلة مع الأعاصير، لاحظ العلماء أن شدتها تتذبذب بين الزيادة المفرطة في قوتها وبين الخفوت الذي يقلل من خطرها، لكنهم لم يستطيعوا تحديد العوامل المؤثرة في هذا التذبذب. فحتى عندما تم رصد إعصار "كاترينا" على أبواب سواحل فلوريدا الخميس الماضي لم يتمكن المسؤولون من تحديد قوته، حيث اكتفى العلماء بتعليق أملهم على ألا يكون إعصار "كاترينا" شبيها بإعصار "أوبال" الذي مازال مجرد ذكر اسمه يرسل القشعريرة في أجساد راصدي الأعاصير. فقد اشتدت قوة "أوبال" فجأة، وهو يقترب من ساحل فلوريدا، وتضاعفت قوته ليلاً عندما كان الناس نياماً فتعذر تحذيرهم ضد القوة الشديدة للإعصار. ولحسن الحظ أن قوة "أوبال" ضعفت رويداً رويداً وهو يضرب الأرض مجنباً الولاية العديد من الخسائر المادية والبشرية.
وفي هذا الصدد يقول "جون كانجيالوسي"، باحث في العلوم الجوية بجامعة "ميامي" الأميركية، وأحد أعضاء المشروع البحثي المسمى "رينكس"، "إن المحاولات الجارية للتنبؤ بقوة الإعصار لدى ضربه للأرض لم تفضِ إلى النجاح المأمول"، وأضاف، "إن تحديد درجة الإعصار يساعد كثيراً في تقدير حجم الفيضانات وسرعة الرياح التي سيتسبب فيها الإعصار".
ويركز المشروع البحثي في الوقت الحالي على ما يحدث داخل الإعصار من تفاعل بين عين الإعصار وبين الرياح الممطرة الشديدة التي تنبعث من داخله. ويعكف العلماء على دراسة هذه الملامح التي تميزه وتجعله أكثر قسوة عند ضربه للأرض. كما يشكل هذا المشروع المرة الأولى التي ينزل فيها الباحثون إلى الميدان لإجراء القياسات اللازمة على الرياح الممطرة وكيفية إسهام هذه الأخيرة في اشتداد حدة الإعصار. وينتظر العلماء إعصار "كاترينا" بصبر كبير ليتمكنوا من إجراء أبحاثهم واكتشاف سر اشتداد قوة الأعاصير فجأة. فحسب ما قاله "ديفيد جونسون" مدير المصلحة الوطنية للأرصاد الجوية: "من المرجح أن يشكل هذا الإعصار، وفقاً للتقديرات الحكومية التي أعلنت في مطلع الشهر الجاري، أحد أكبر الأعاصير القادمة من المحيط الأطلسي المسجلة خلال هذا الموسم". بالإضافة إلى ذلك لا يشكل إعصار "كاترينا" الذي ضرب الساحل الجنوبي لولاية فلوريدا قبل أيام، إلا واحداً من 11 إعصاراً مسجلاً لدى الباحثين. هذا وتتوقع الإدارة الوطنية للأجواء والمحيطات حدوث ما بين 18 و21 عاصفة استوائية مع نهاية الموسم الجاري، حيث من المنتظر أن تصل قوة 9 إلى 11 منها إلى درجة الأعاصير، بينما يتوقع أن تتجاوز 5 إلى 7 منها درجة الأعاصير القوية جداً. ويؤكد هذه التوقعات "ويليام جراي" وهو عالم جوي من جامعة كولورادو، وأحد رواد الرصد الجوي، حيث قال: إنه من الممكن أن يشهد الموسم الجاري ما لا يقل عن 20 عاصفة في المجموع بما في ذلك 16 إعصاراً عشرة منها خفيفة وستة قوية. ويشير "جراي" إلى أن الموسم الحالي سجل عدداً قياسياً في حدوث الأعاصير.
غير أنه في الوقت الذي تحسنت فيه كثيراً إمكانيات التنبؤ بمسار الأعاصير وتحديد الأماكن التي ستضربها، مازال التقدم في مجال قياس قوتها متأخراً. ويرجع السبب في ذلك حسب "وين تشو لي" الباحث في المركز الوطني الأميركي لرصد الأعاصير إلى أن الزيادة في قوة الأعاصير تحدث بشكل مفاجئ يصعب على العلماء تتبعه. بالإضافة إلى ذلك يفتقد العلماء أدوات القياس الدقيقة التي تمكنهم من مراقبة ما يجري خلال عمل الإعصار واستنتاج المعطيات المفيدة التي قد تساعدهم في فهم ظاهرة الاشتداد المفاجئ في قوة الأعاصير. وفي هذا الإطار جاء مشروع "رينكس" الذي يقول العلماء إنه من الممكن أن يتيح لهم إمكانية إجراء القياسات المطلوبة لتحسين قدرات التنبؤ بشدة الأعاصير. ويشرف الفريق البحثي الذي ينتمي أعضاؤه إلى جامعات متنوعة كجامعة "ميامي" وجامعة "واشنطن" على تعقب العواصف على مدار السنة لدراسة آليات اشتغالها بهدف الإجابة عن السؤال الملح: لماذا تزداد فجأة قوة الأعاصير؟ وفي سبيل ذلك يقوم الفريق البحثي بإرسال طائرات صغيرة مزودة برادارات إلى قلب العاصفة لدراسة التغيرات التي تطرأ على هبوب الرياح وهطول الأمطار، كما يتم إنزال معدات دقيقة لدراسة الظروف الجوية المحيطة بالعاصفة. وستوفر هذه الإمكانات المتاحة حالياً فرصة للباحثين لاختبار النظرية القائلة بمسؤولية الأمطار المصاحبة للعاصفة في تزويدها بالطاقة الأساسية لارتفاع حدتها. وحسب هذه النظرية، فإن الغلاف الكثيف من الغيوم الذي يشكل عين العاصفة يجذب نحوه بخار الماء المتصاعد من سطح البحر الدافئ. وعندما يتكثف البخار ويتحول إلى قطرات مائية يقوم بإطلاق حرارته في الهواء. ويعتقد أن تلك الحرارة هي التي تشكل المحرك الرئيس للعاصفة. والعملية نفسها تحدث بالنسبة للرياح المحملة بالأمطار التي تحيط بعين العاصفة حيث يعتقد العلماء أنها المسؤولة عن اشتداد قوة الأعاصير.
ومن الأمور الأخرى التي يسعى العلماء