في حديثه لإذاعة مونتي كارلو دعا الأمير طلال بن عبدالعزبز إلى إدخال إصلاحات حقيقية في المملكة العربية السعودية. وذهب الأمير طلال في حديثة إلى المطالبة بوضع نظام سياسي جديد يستند على الدستور كما هو حادث في الأردن والكويت والبحرين. واعتبر الأمير طلال أن الإصلاحات تفرضها ظروف عالمية حيث قال "علينا أن نساير القرن الحادي والعشرين واعتبر مطالب الإصلاح لا تتعارض مع ثوابت الدين الإسلامي. كما وصف الأمير طلال مطالب بعض الإصلاحيين في السعودية الذين نادوا بقيام ملكية دستورية، بأنها مطالب صعبة في المنظور القريب.
عرف عن الأمير طلال بن عبدالعزيز مساندته لعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأنه وعبر مساهماته الكبيرة والعديدة في كثير من المنظمات الدولية تأكد حسن توجهاته وصدق نواياه في إحداث نقلة نوعية في البلاد العربية. الأمير طلال الذي بلغ السبعين من العمر تقريباً يحمل كثيراً من الأفكار الجريئة ومن يجالسه يشعر بفخر بأن لدينا نخبة من أبناء الأسر الحاكمة تفكر بواقعية وعقلانية.
وكما تعودنا من الأمير طلال بأن الاختلاف لا يفسد للود قضية، فنحن نشد على يده ونقول له نتمنى لو أن جميع النخب الحاكمة تفكر بطريقته وخصوصا بين جيل الأبناء الصغار، الذين قد يشعر الكثيرون بالقلق عند اعتلائهم مراكز الحكم. وهنا ربما ندعو الأمير طلال بن عبدالعزيز وبعض من يتبنى أفكاره من نخب الحكم العربية بأن يفكروا في أطروحاته وأن تبذل الجهود في تثقيف الأبناء الصغار وإعدادهم لكي يتحملوا المسؤولية دون مكابرة واستبداد.
ما نختلف فيه مع الأمير طلال هو وصفه لمطالب الإصلاحيين الذين رفعوا شعار المملكة الدستورية وما أصابهم من معاناة لا يتساوى مع ما صرحوا به. نحن ندرك أن مطالبهم جاءت انفعالية وأغفلت الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المملكة، إلا أن ما لحق بهم من ضرر مادي ومعنوي لم يكن مبرراً. وحسنا فعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما اتخذ قراره الشجاع بالإفراج عنهم.
واعتقادي هو أن مطالب الإصلاحيين لن تنجح إذ ما أغفلوا طبيعة البيئة الاجتماعية، فلو أخذنا المملكة العربية السعودية، فإننا نجد على سبيل المثال بأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز لديه رؤية مستقبلية واقعية وهي تسبق الشارع بكثير حيث رؤاه قد لا تلاقي الاستحسان من المؤسسة الدينية التي تهيمن بقوة على الحياة في المملكة.
ما نحن بحاجة إليه هو القبول بفكرة الإصلاح، وعندما نجمع بأن نظامنا يعاني من خلل فعلي فعلينا أن نعجل بإصلاحه بدلا من أن نماطل ونتجاهل الواقع المحيط بنا. من المؤكد أن فكرة الإصلاح ليست بفكرة ناجمة عن قناعات راسخة لدى حكامنا، بقدر ما فرضتها ظروف عالمية جديدة. فلو أخذنا مصر على سبيل المثال، ما كان الأمر يصل إلى ما وصل إليه في الانتخابات المزمع عقدها في الأسبوع الأول من سبتمبر لولا ضخامة الضغوط العالمية. وطبعاً لا بأس في ذلك، فنحن ما نريد أن يتحقق الإصلاح، وكما يقولون أن تبدأ مسيرة الإصلاح سواء بفعل الخارج أو الداخل.
ما نقوله للأمير طلال بن عبدالعزيز أن الخلاف ليس على أسر الحكم سواء في المملكة أو دول الخليج الأخرى وإنما الخلاف على أسلوب الحكم. فالحكم المستنير الذي ينطلق من ركائز مفهوم المواطنة وليس الرعية يستطيع أن يشق طريقه بسلام وينأى بالسفينة عن الأمواج العاتية التي قد تغرقها بمن عليها.