مع أن منظمة الدول المصدرة للنفط >أوبك< تضخ أعلى مستويات من النفط في تاريخها، وربما تنتج بأقصى طاقتها إلا أن الأسعار تواصل رغم ذلك ارتفاعها مما أدى الى موجة اضطراب في الأسواق وأثار المخاوف من زعزعة الاستقرار·
لقد قفزت أسعار النفط صباح أمس إلى مستوى قياسي جديد تعدى السبعين دولارا للبرميل الواحد في العقود الآجلة بعد أن أرغم إعصار ''كاترينا'' بعض منتجي النفط في خليج المكسيك إلى إغلاق مصافي نفطية· ورغم أن منظمة ''أوبك'' زادت إنتاجها إلى ما يقارب 3ر03 مليون برميل لتهدئة الأسعار الملتهبة فإن التوقعات مازالت تشير إلى أن النفط في صعود· إن المجتمع الدولي يمر بمرحلة دقيقة في تاريخه لأسباب سياسية وفروقات حضارية يعرفها القاصي والداني، ومستوى التوترات بلغ حدا خطيرا والحرب في العراق مجرد عنوان فرعي للحالة الدولية الراهنة·
مجمل الكلام أن العالم لديه ما يكفيه من أسباب النزاع والصراع لأنه بالفعل يعيش على برميل بارود· ودخول النفط على الخط باعتباره أهم مادة خام على وجه الأرض - أو تحت الأرض إن شئنا الدقة- فإنما يؤجج نار الفوضى والاضطراب ويهيء المزيد من أجواء الصدام والاحتقان· لقد كان من المتخيل قبل سنوات أنه مع دخول العالم مرحلة التكنولوجيا الرقمية الكثيفة والاعتماد المتزايد على أشباه الموصلات والتقدم الكبير في القاعدة العلمية للمجتمع البشري المعاصر، أن تستقر الأمور في سوق النفط ، إلا أنه على العكس أثبت قدرته على مواصلة إثارة حماس الجميع لأقصى درجة ممكنة· وسيستمر الوضع على هذا النحو لأجل غير معروف·
ومن ثم فإنه لابد من نظام دقيق وإطار سليم يمكن أن يضمن بالاعتماد عليه استمرار تدفق وتداول هذه السلعة بالغة الحيوية بين مختلف دول العالم بطريقة آمنة ومستقرة وبأسعار لا يترتب عليها أي ضرر بالاقتصاد والاستقرار العالميين·
إن الأوضاع السياسية الدولية تلعب لا شك دورا كبيرا في تحديد طبيعة سوق النفط وأسعاره ولا يمكن أبدا تجاهل الوضع في منطقة الشرق الأوسط ولا التوترات مع دولة مثل فنزويلا التي تعد من كبار منتجي النفط في العالم عند محاولة تفسير ما يجري في السوق·
ومن ثم فإن الحاصل الآن إنما يعكس فعليا المناخ العالمي السائد بما يشير إلى ضرورة العمل من أجل إضفاء مزيد من الاستقرار السياسي على المجتمع الدولي لأن ذلك في مصلحة الجميع· في الوقت نفسه ليس في مصلحة أحد اطلاق العنان لسعر النفط··· سواء المنتجين أو المستهلكين· فالاقتصاد العالمي بتركيبته المعقدة جعل الجميع في زورق واحد· واستنادا إلى ذلك لابد من مراعاة مصالح مختلف الأطراف منتجين ومستهلكين لأن ما لا يدركه كثيرون الآن هو أن هذا التقلبات في أسعار النفط سيكون لها بلا شك تأثير على مجمل الأداء الاقتصادي العالمي خلال الفترة المقبلة ولابد أن معدلات النمو العالمي ستتضرر نتيجة ذلك وهذا ليس في مصلحة أحد·