رأينا في الأيام الماضية صوراً تُرفع للديكتاتور السجين صدام حسين، وسمعنا أصواتاً هنا وهناك تتحدث عن براءة نظام المقابر الجماعية من كل ما حدث ويحدث في العراق. وبعض هذه الأصوات تُسمع من أشخاص يساهمون في العملية السياسية وحتى في كتابة مسودة الدستور العراقي، ولهم حضور سياسي وحزبي في العراق.
وسمعنا أيضاً بعض الأوساط الإعلامية والصحفية الأميركية والبريطانية تتحدث عن بدايات لتشكيل حزب "بعث" جديد في العراق! وكذلك تصريحات محامي طارق عزيز حول صفقة سياسية للإفراج عنه ومعه مجموعة من أزلام النظام المهزوم.
كل ما سمعناه وسنسمعه في الأيام القادمة، ما هو إلا محاولة لتسويق حزب "البعث" من جديد، وذلك على رغم أنه الحزب الذي باسمه وبأفكاره ارتكبت المجازر الدموية ضد العراقيين، وشُنت الحروب العدوانية الداخلية والخارجية ضد الجيران. ويبقى السؤال: بعد كل هذا القتل والخراب والدمار والحروب، منْ سيُحاكم حزب "البعث" المنحل وأزلامه؟
هل سيحاكمه هؤلاء النفر من الذين رفعوا صورة المجرم السجين صدام؟ أم سيحاكمه الذين يريدون أن يعطوا صك (البراءة) لنظام القتلة المنهار؟ أصحاب هذه الأصوات جميعا، لا يحق لهم أبدا، أن يتكلموا باسم الآلاف من الشهداء والمفقودين وعوائلهم، والسجناء والمنفيين والمهجرين قسرا... والقائمة تطول.
وهؤلاء الضحايا سيطالبون بمحاكمة كل من ارتكب الجرائم وشن الحروب من "البعثيين" كباراً وصغاراً، بالعدل والإنصاف وأمام القضاء العراقي العادل، والعمل على التمييز بين البعثيين، الذين كانوا من أصحاب القرار والتنفيذ في المؤسسة الحزبية والسياسية والحكومية، التي ألحقت أفدح الأضرار والمآسي بالعراق والعراقيين، و"البعثيين" الذين أُرغموا قسراً على الانتماء لحزب "البعث" من أجل حصولهم على العمل والوظيفة وليس رغبة في الانتماء إلى هذا الحزب، وأغلب هؤلاء يعتبرون من ضحايا سلب الفكر والإرادة بالقوة.
شعب العراق يميز بين الضحية والجلاد، ولا يمكن أن يلجأ إلى حالة الثأر العشوائية، والتي يريدها ويتمناها ما تبقى من أزلام النظام الديكتاتوري المطلوبون للعدالة، لكي يعطوا انطباعاً بأن كل "البعثيين" سيلاحقون ويقتلون من قبل أبناء الشعب العراقي. وختاما يمكن القول إن من يحاكم حزب "البعث" وأزلامه على جرائمهم وحروبهم العدوانية، هم الأغلبية من بنات وأبناء العراق، وليس البعض من رافعي الصور وأصحاب الأصوات النشاز.
حمزة الشمخي - كاتب عراقي