لا شك أن الإجراءات الحازمة التي اتخذتها سلطات سوق المال المحلية تجاه تلاعب اثنين من كبار المستثمرين في صفقات وهمية متقابلة بمليارات الدراهم على أسهم بنك دبي الإسلامي، هي إجراءات تستحق الإشادة والتقدير وتؤكد سلامة البيئة الاستثمارية في الدولة، إلا أن هذه الواقعة تفتح ملف الأفعال والممارسات السيئة في أسواق الأسهم المحلية، وهو ملف مهمل ويتطلب إجراءات رقابية وتنظيمية صارمة. فهذه المضاربات الوهمية التي تسببت في إلحاق ضرر بالغ ببقية المتعاملين، ما هي إلا واحدة من العديد من الممارسات التي يمكن أن يتعرض لها أي سوق مالي، ويرتكبها عادة بعض المستثمرين الذين يملكون سطوة وثروة تمكنهم من إتمام هذا الدور، ويسمون "صانعي السوق القذرين"، ومن أبرز ممارساتهم عالميا ما حدث في الانهيار الكبير الذي تعرضت له أسواق الأسهم في دول جنوب شرق آسيا عام 1997.
وفي ظل سوق تلعب فيه الشائعات دوراً مهماً في تشكيل قرارات العديد من المتعاملين، يقوم هؤلاء المضاربون باصطناع موجات صعود وهبوط حادة وسريعة على سهم محدد، فيجنون أرباحاً طائلة على حساب خسارة صغار المستثمرين، خاصة أولئك الذين ينجرون وراء الشائعات دون النظر للتحليلات المالية أو الفنية للشركة صاحبة السهم. إن الأفعال هذه وإن تعددت أشكالها وأساليبها، إلا أنها تتم جميعها من خلال التلاعب بآلية العرض والطلب وجعلها مجرد أداة وهمية لا تعبر عن الأوضاع الحقيقية للسوق. كما أن الممارسات الضارة غالباً ما تتم من خلال فتح حسابات متعددة للتداول لمستثمر واحد، أو الاتفاق بين مستثمرين أحدهما يلعب دور البائع والآخر المشتري، في عمليات وهمية، أو الاتفاق بين عدد من المتعاملين، كما هو الحال في أسلوب "الصدمات السعرية"، الذي يمارسه عدد من المتعاملين بالاتفاق سراً فيما بينهم للقيام بمضاربات كبيرة على سهم رخيص، دون التقيد بالواقع الذي تفرضه آلية العرض والطلب، وتصدير شعور وهمي لبقية المتعاملين بأن هذا السهم مرشح للصعود في حالة شراء كميات كبيرة منه، أو أنه مرشح للهبوط في حالة بيع كميات كبيرة منه، الأمر الذي يدفع المستثمرين للبيع أو الشراء بكميات كبيرة‏، بما يحقق للمضاربين أهدافهم. ومن الأفعال السيئة التي يمكن أن تمارس في أسواق الأسهم تسريب المعلومات الخاطئة أو الشائعات، خاصة إذا وجد مروجوها منفذاً عبر الصحف، فترتفع أسعار سهم محدد أو تنخفض بصورة حادة بحسب اتجاه هذه الشائعات أو طبيعة هذه المعلومات المغلوطة، فيحقق مروجوها مكاسب طائلة. وفي ظل ضعف الرقابة في السوق تدخل بعض مكاتب الوساطة كحلقة وصل مهمة في مسلسل الممارسات السيئة، فتتعاون مع طرف ثانٍ للتلاعب بأسعار الأسهم صعوداً وهبوطاً، لتحقيق أرباح استثنائية وغير مشروعة. وما شهدته أسواق الأسهم المحلية أول أمس، يجب أن يكون دافعاً للعمل على سد جميع الثغرات التي يمكن أن تنفذ من خلالها العمليات الخفية لضعاف النفوس من المضاربين وشركات الوساطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية