على الرغم من التحديات الجسام التي يواجهها أرييل شارون داخل حكومته الائتلافية، فإنه نجح على ما يبدو في تنفيذ جزء كبير من خطته أحادية الجانب الرامية إلى فرض حل إسرائيلي للقضية الفلسطينية؛ فطيلة السنوات الأربع الأخيرة وشارون منهمك في العمل بشكل منهجي للوصول إلى هدفه النهائي، حيث قام من ناحية الإجراءات على الأرض بتحديد المتاح والممكن بالنسبة للفلسطينيين عن طريق بناء جدار الفصل وتعزيز الوحدات الاستيطانية. والمشكلة أنه بعد أن ينتهي في المستقبل من كل ذلك لن يبقى للفلسطينيين سوى 40% من أراضيهم المحتلة، وهي النسبة التي قال شارون عنها قبل أربع سنوات إنه مستعد لتسلميها للفلسطينيين.
والأهم بالنسبة لشارون أنه أقدم على تنفيذ تلك الخطوات على نحو أحادي، وبشروطه الخاصة، دون أن يتفاوض مع الفلسطينيين، حيث تطلب منه ذلك أن يدمر قدرات السلطة الفلسطينية وينزع الشرعية عن قيادتها. وبينما كان يمضي في فرض خطته أحادية الجانب، كان يوهم الأميركيين بأنه ملتزم بعملية السلام من خلال مجموعة من الجهود المبذولة، التي كان آخرها خريطة الطريق، وفي الوقت ذاته رفض شارون أي اتصال بالقيادة الفلسطينية، اللهم إلا إذا طلب منه البيت الأبيض القيام بذلك.
وقد تجلت هذه المقاربة أحادية الجانب بشكل واضح في عملية الانسحاب من غزة، حيث تباحث شارون خلالها مع الولايات المتحدة والبنك الدولي وحتى مع مصر بخصوص معبر فلاديلفي، ولم يستثنِ من ذلك سوى الفلسطينيين، ما سيُبقي العديد من القضايا عالقة بين الطرفين، فضلا عن أنه لن يكون هناك أي تسليم رسمي للسلطات أو اعتراف بالسيادة الفلسطينية. وإذا كان هناك من أمل يحدونا حول نوايا شارون، فقد تبدد الأمل وتأكدت الشكوك خلال الأعمال الأخيرة لإسرائيل في الضفة الغربية، حيث مازال بناء جدار الفصل مستمراً، خصوصا في منطقة القدس. كما أن الأعمال جارية على قدم وساق لربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، وهو ما سيقسم الضفة الغربية إلى جزأين. والأدهى من ذلك أن كل تلك الخطوات التي يقوم بها شارون لم تلفت حتى الآن انتباه الإعلام الغربي، أو القيادات السياسية التي فضلت الالتزام بالصمت والاكتفاء بإصدار التعليقات المتفائلة والساذجة حول "فرص السلام" و"التضحيات الجسورة التي يقوم بها شارون من أجل السلام".
غير أن ما يستحق أن يشار إليه في هذا المقام هو أن شارون لم يكن لينجح في مساعيه دون تواطؤ فاعلين آخرين ممن ساعدوه على إخراج هذه المأساة. لذا دعوني أعدد بعضاً ممن يتقاسمون المسؤولية:
1- تقوم الإدارة الأميركية بإطلاق تصريحات محقة حول قيام دولتين وضرورة التفاوض، أو انتقادها بناء جدار الفصل. لكنها تقف عاجزة عن فرض ذلك على إسرائيل التي لا تأبه بمطالب الولايات المتحدة.
2- يرفض الكونجرس الأميركي ممارسة أية ضغوط على إسرائيل للالتزام بتعهداتها، بل يرفض السماح للإدارة بإبداء أي تعاطف مع الفلسطينيين.
3- تقتصر اللجنة الرباعية بالتزام الصمت أو تبني المواقف المتفائلة دون أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين.
4- يعمل الإعلام الأميركي كأحد أجهزة العلاقات العامة التابعة للمستوطنين، حيث ركزت الصحافة الأميركية على عملية إخلاء غزة مصورة مشاعر الحزن والألم التي أبداها المستوطنون، لكن دون التركيز بالطريقة ذاتها على الألم الذي رافق تدمير البيوت الفلسطينية في رفح والقدس وبيت لحم.
5- تتحمل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" جزءاً من المسؤولية بتنفيذهما لعمليات مسلحة في إسرائيل مانحتين شارون الذريعة لينزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية ويتهمها بالإخلال بالتزاماتها.
6- وتتحمل كذلك السلطة الفلسطينية بعضاً من المسؤولية لأنها فشلت طيلة الفترة السابقة في التأثير على الجمهور الأميركي عن طريق تنظيم حملات تعريفية لتوضيح وجهة نظرها لدى الأوساط الأميركية.
وأمام هذا النجاح الذي يحققه شارون يبرز سؤال مهم حول متى يستيقظ العرب ويقومون بتنظيم مقاومة جماهيرية غير عنيفة ترافقها حملة إعلامية كثيفة للتأثير على الرأي العام الغربي والتمكن من قلب الأمور لصالح الحقوق الفلسطينية؟.