الموقف المصري فيما يتعلق بالربط بين التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية وبين انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي منطقي وطبيعي وكان لابد منه. وإصرار إسرائيل على أن تكون قوة نووية دون باقي دول المنطقة لا يمكن تبريره أو قبوله. فكيف يمكن أن تتحول منطقة مثل الشرق الأوسط بكل ما فيها وبكل ما تنطوي عليه من أهمية وحساسية شديدة إلى رهينة لإسرائيل وترسانتها النووية التي قيل مراراً إنها لا تقل في حجمها عن مئتي قنبلة نووية.
لقد لعب توازن القوى بين الدول النووية إبان العهد السوفييتي قبل الانهيار الشامل دوراً مهماً في حفظ السلم العالمي رغم كل الأزمات التي كادت تؤدي إلى كوارث. وساعدت حيازة أكثر من طرف للأسلحة النووية في إضفاء قدر من الاستقرار على العلاقات الدولية في ضوء إدراك كل طرف لطبيعة ميزان القوى القائم على الصعيد النووي.
أما في الشرق الأوسط فإن انفراد إسرائيل بحيازة الأسلحة النووية واحتكارها لهذه القدرات الفائقة غير التقليدية، لن يسفر إلا عن إصرار الدولة اليهودية على ممارسة أكبر قدر من التعنت والتعسف مع الدول العربية. كما أنه من الخطورة الشديدة السماح لدولة لها كل هذه السياسات العنصرية والعدوانية ويحكمها سياسيون انتهازيون من عينة أرييل شارون ورجال الدين المتعصبين الذين يتحكمون بصورة أو بأخرى في السياسات العامة الإسرائيلية بحيازة أسلحة نووية.
هذا من ناحية المبدأ.
أما من الناحية الإجرائية البحتة، فإنه يصعب تخيل أن يجد المجتمع الدولي في نفسه الفجرأة أن يطالب دولاً عربية بالتصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ويغض البصر عن إسرائيل.
صحيح أن مصر كما تقول الجهات المعنية تعد واحدة من 44 دولة يعتقد أنها قادرة على انتاج أسلحة نووية وأنه وفقا لمعاهدة حظر التجارب الموقعة عام 1996 فإنه لا بد أن توقع عليها إلا أنه من غير الممكن أبداً أن توقع مصر فيما إسرائيل مطلقة السراح دون رادع.
إن مصر بالتأكيد ووفقا لظروف كثيرة لا تبادر إلى إنتاج أسلحة نووية في المدى المنظور. على الأقل لكن من الناحية المبدئية البحتة لا يمكن قبول هذا المنطق الدولي المعكوس. لأنه من شأنه ترسيخ أجواء غير مواتية أبداً لتحقيق أي انفراجة حقيقية فيما يتعلق بالسلام الدائم والشامل والعادل، ناهيك عن أنه يبقي إسرائيل جسماً معزولاً داخل المنطقة مهما حاوةلت أن تسوق نفسها وسياستها.
ببساطة المنطقة أشد ما تحتاج الآن إلى بوادر حسن النوايا من مختلف الأطراف سواء من إسرائيل أو من المجتمع الدولي حتى يمكن الانتقال إلى مرحلة جديدة تكون الكلمة العليا فيها للسلام والاستقرار. وليس أمام إسرائيل أهم من المجال النووي لاثبات حسن نواياها.