بدأت في الكويت حملة حكومية لمحاربة الفساد، وبذلك تصبح الكويت أول دولة خليجية تقر وتعترف بأن لديها فسادا وسوء إدارة، وتحاول أن تحاربه أو على الأقل نشر الوعي حوله للحدّ منه.
موضوع الفساد ليس جديداً، وقد أثارته الصحافة اليومية ومجلس الأمة ولجنة التحقيق البرلمانية والاستجوابات البرلمانية المتكررة للوزراء، كما طرح الموضوع الأكاديميون في جامعة الكويت. الذين ذكرت دراساتهم أن أهم مظاهر الفساد في الكويت هي "التدخل غير المشروع من جانب المتنفذين في انتخابات مجلس الأمة والبلدي والانتخابات الفرعية، والتصويت العلني والرشوة الانتخابية والقوانين غير الدستورية والانحراف في استخدام السلطة وطبيعة النظام الانتخابي القائم على 25 دائرة، ودوره في تعزيز الفساد السياسي والخلل الإداري القائم في استخدام السلطة الإدارية والجهل في القواعد الإدارية وتفشي الواسطة والمحسوبية وغياب مبدأ المحاسبة وعدم تطبيقها، وضعف المساءلة المحلية وغياب الشفافية في القوانين والسياسات الحكومية.. وعدم تطبيق القانون بشكل عادل ومتكافئ".
رغم جدية الحكومة في محاربة الفساد إلا أن الحقيقة تبقى، وهي أن المشكلة معقدة ومن الصعب محاربتها، لأن أطرافاً في السلطة التشريعية والتنفيذية لهم يد فيها، فنواب مجلس الأمة يعتبرون إحدى أوسع بوابات انتشار الفساد في الجهاز الحكومي، ويتواطأ معهم المسؤولون الكبار في الجهاز الحكومي الذين يسهلون تجاوزاتهم خوفاً من محاسبة هؤلاء النواب لهم، حتى وصل الأمر إلى درجة استعداد النواب تقديم استجوابات للوزراء الذين لا يسهلون تجاوزاتهم.
الحكومة من خلال جهاز خدمة المواطن، نشرت أكثر من تقرير عن الفساد الإداري في الجهاز الحكومي، وقد تم تشخيص المشكلة وتم تحديد العلاج، لكن الأمر يتطلب إرادة سياسية قوية لتنفيذ مقترحات الجهاز.
وأهم ركائز التقرير الحكومي هو الاعتراف بأن الفساد الإداري يتداخل مع الفساد السياسي في أكثر من موقع، ومن الأسباب المباشرة للفساد حسب التقرير الحكومي، الفساد الإداري، القصور التشريعي، ضعف التنظيم الإداري، أما الأسباب غير المباشرة فهي الفساد السياسي وغياب الديمقراطية وتقييد الحريات العامة والتميز وعدم المساواة وعدم تكافؤ الفرص والمحسوبية واستغلال النفوذ، أما الأسباب الاقتصادية فقد ركز التقرير على فساد النظم الاقتصادية المطبقة وما يترتب عليها من آثار سلبية، كالخلل في إعادة توزيع الدخل القومي وتفاوت الدخل وارتفاع نسبة التضخم وتراجع معدلات النمو وانخفاض مستوى المعيشة.
ماذا عن دول الخليج الأخرى؟ هل تعاني من ظاهرة الفساد والرشوة والمحسوبية وغيرها؟!
كل الدراسات والمؤشرات التي درست المجتمع العربي تشير إلى تفشي الفساد الإداري في المجتمع العربي، ويتخذ أشكالاً متعددة، وبرغم ذلك يصعب تقديم إحصائيات تبين حجم المشكلة ودرجة خطورتها بسبب أنها تحدث في ظروف خفية عن أنظار المعنيين بها.. ومن مظاهر الفساد التي برزت في بعض الأقطار العربية، فساد بعض أعضاء مجلس الشعب المصري الذين استفادوا من قروض كبيرة تقدر بالملايين من الجنيهات من البنوك ولم يقوموا بسدادها، وقد هرب بعضهم للخارج.
في سوريا تنشر الصحافة أخبار المسؤولين الذين تمت محاكمتهم وإحالتهم للقضاء بسبب الرشاوى.. وفي الأردن ولبنان والجزائر والمغرب قصص الفساد وسوء الإدارة تملأ الصحف.. والأحكام مستمرة ضد الفاسدين.
في الإمارات أصدرت المحاكم أحكاماً بالسجن ضد موظفين متهمين بالاختلاس ... وفي عمان هنالك حملة قوية ضد الفساد وصدرت أحكام على أكثر من 20 مسؤولاً في عام 2000 بتهم الاختلاس.
الفساد في الجهاز الحكومي في دول الخليج العربية لا يمكن القضاء عليه بسهولة، لأن الجهاز متضخم ولا يوجد توازن في هيكلة سوق العمل، كما أن دور القطاع الخاص محدود.. فما دامت دول الخليج المستمرة في سياسات الدعم الحكومي وعدم فرض الضرائب.. فمن الصعب تحقيق المشاركة الشعبية في محاسبة الأداء الحكومي.