عودة إسرائيل إلى سياسة اغتيال الفلسطينيين مرة أخرى، تطور ينذربخطر شديد، ويهدد بالرجوع إلى المربع صفر، عكس ما كان يتوقع· فبعد كل ما تم على صعيد الانسحاب وظهور بوادر إيجابية أشاعت قدرا من التفاؤل بشأن مزيد من التقدم ، ليس من المعقول أن ينتكس الأمر مرة أخرى· لنعود من حيث بدأنا· لقد كان المأمول أن يمثل الانسحاب بداية الطريق نحو اختراق حقيقي للمشكلة الفلسطينية، يؤسس لحل مستمر ودائم وعادل تقوم في اطاره دولة فلسطينية حقيقية لها كل مقومات البقاء· ولأن الانسحاب في حد ذاته خطوة مهمة للغاية تصورالبعض أنه يعكس تغيرا حقيقيا في التوجهات السياسية للنخبة الحاكمة في تل أبيب بغية التوصل إلى تسوية· واستنادا إلى ذلك اعتقد كثيرون أن سياسة الاغتيالات الغادرة التي دأبت إسرائيل على ممارستها ضد بعض القيادات والعناصر الفلسطينية النشطة سيطويها النسيان، وأن صفحة جديدة يمكن فتحها بناء على ما تقدم·
لكن هاهي إسرائيل تثبت أنها مازالت تملك العقلية نفسها التي أراقت كثيرا من الدماء على مدى السنوات القليلة الماضية في الضفة الغربية وقطاع غزة·
المشكلة الاساسية أن ذلك يفتح الباب على مصراعيه لسلسلة لا تنتهي من العنف والعمليات الانتقامية من الجانبين كما أنه يرسخ أجواء مواتية أكثر لتوسيع نطاق الفوضى وعدم الاستقرار ويزيد من حدة الاحتقان والتوتر خاصة على الجانب الفلسطيني· والأخطر، أن إسرائيل بممارساتها هذه، إنما تزيد من حجم الضغوط على القيادة الفلسطينية وتضعها بين المطرقة والسندان· فما معنى أن يطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفلسطينيين بنبذ ثقافة العنف ومواكبة المتغيرات الجديدة ثم تقوم إسرائيل بعد ذلك بساعات باغتيال خمسة فلسطينيين في عملية وحشية·
لقد كان الأمل يراود كثيرين في أن تستمر الهدنة القائمة لمدة أطول، بما يمكن أن يؤسس لمزيد من النجاحات على طريق السلام·
لكن هذا الأسلوب الإسرائيلي قد يعيد الصراع إلى نقطة البداية وبقدر أكبر من الشراسة والعنف لأن الإحباط هذه المرة سيكون أكبر ولأن موعد الاستحقاقات الكبيرة سيكون قد اقترب وحان أجله، بعد الانسحاب من غزة· إن السياسة الإسرائيلية التقليدية القائمة على الاجتياح والاغتيال والهدم وتشريد الفلسطينيين ينبغي أن تتوقف· والمطلوب من إسرائيل عكس تلك السياسة تماما، فالفلسطينيون والعرب ينتظرون منها إجابات محددة وشافية عن الأسئلة الكبرى فيما يتعلق بالضفة الغربية والقدس وحق العودة·
أما المجتمع الدولي ، فإنه يستطيع من جانبه أن يلعب دورا بالغ الأهمية سواء بالضغط على إسرائيل أو بتقديم كل دعم ممكن سواء على صعيد العملية السلمية بصورة مباشرة أو من خلال العمل على تأهيل البنية التحتية الفلسطينية وتعزيز فرص النمو والاستقرار الاقتصادي لتعويض الفلسطينيين عما كابدوه وعانوه على مدى عقود منعا لحدوث انتكاسات خطيرة ·