لقد أصبح سرطان الرئة على ما يبدو حديث الساعة في أميركا بسبب الإعلان مؤخراً عن وفاة العديد من المشاهير بهذا المرض الفتاك، بالإضافة إلى ضحاياه الكثر من الناس العاديين الذي يسقطون سنويا صرعى لمضاعفاته. وقد جعل هذا الانتشار الواسع للمرض العديد من الأميركيين يتساءلون عما إذا كان يتعين عليهم إجراء فحوصات الرسم السطحي (CT scan) لاكتشاف المرض في بدايته قبل أن ينتشر في الجسم ويستفحل أمره. غير أننا ننصحهم بأن يفكروا ملياً قبل الإقدام على هذه الخطوة. لكن، مهلا أليس مفترضاً أن يكون الرسم السطحي فحصاً بسيطاً وغير مؤلم يمكنه أن ينقذ حياتك؟ ألم تذكر التقارير الطبية أن الأشخاص الذين يكتشف عندهم المرض في بدايته عن طريق الرسم السطحي ترتفع فرص بقائهم أحياء لفترة 5 سنوات إضافية بنسبة 80% مقابل 15% فقط مقارنة بهؤلاء الذين يلجأون إلى فحوصات أخرى لا تشخص المرض إلا في مراحل لاحقة؟ إذن لماذا لا نجري فحصا بالرسم السطحي اليوم وقبل الغد؟
والجواب على هذه التساؤلات قد يفاجئ معظمنا: إننا لسنا متأكدين مما إذا كانت فائدة الرسم السطحي أكبر من ضرره. فبينما تظل الفوائد التي يُهلل لها في الأوساط الطبية غير مثبتة علميا، تتأكد يوما بعد يوم أضرار ذلك الفحص. وقد لوحظ أن أحد تلك الأضرار شائع عند الأطباء، فيما يبقى ضرر آخر أقل بروزاً على الساحة الطبية. فقد ألف الأطباء ضررا يسمونه بالإنذار الخاطئ ينتج عن التشخيص بالرسم السطحي لما عرف عن هذا الفحص من دقة كبيرة في الكشف عن الأجزاء المريضة في الرئة مهما كانت صغيرة. غير أن هذه الأجزاء التي قد تكون غير عادية لا تؤشر بالضرورة على وجود ورم خبيث في الرئة، وبالتالي فهي لا تعني أن الشخص مريض بالسرطان. والأكثر من ذلك أنه بعد تشخيص تلك الأجزاء المريضة يتم استئصال عينة من الرئة لإخضاعها لفحوصات مخبرية ليكتشف في الأخير أنها سليمة. وبالرغم من أن المضاعفات المترتبة عن عملية استئصال العينة نادرة جدا، إلا أنها تؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.
أما الضرر الأقل شيوعاً عند الأطباء والأكثر خطرا فهو ما يتعلق بالمبالغة في التشخيص والعلاج. ففي أكبر دراسة إلى حد الآن قام بها باحثون من اليابان تبين أن فحوصات الرسم السطحي كشفت حالات للسرطان أكثر بعشر مرات مما كشفه الفحص باستعمال أشعة إكس. والغريب أنه باستعمال الرسم السطحي تم الكشف عن سرطان الرئة حتى عند غير المدخنين، خصوصا وأن نسبة تعرض المدخنين للإصابة بسرطان الرئة هي 15 مرة أكبر منها لدى غير المدخنين. لكن ما حدث هو أن فحص الرسم السطحي كشف عن أورام تعتبر من الناحية التقنية سرطاناً، إلا أنها لا تخضع لنفس خصائصه التي تؤدي إلى نمو الورم ثم الموت في النهاية. وهنا تكمن المشكلة، إذ يعجز الرسم السطحي عن التفريق بين السرطان القاتل وذلك الذي لا يقتل. وبالطبع لا يمكن إخضاع أصحاب الأورام الحميدة إلى نفس العلاج الذي يتلقاه عادة مرضى سرطان الرئة المتقدم لأنهم لن يستفيدوا منه، بل سيعانون من آثاره الجانبية. فالعلاج الذي يعتمد عادة على الجراحة أو العلاج الكيماوي والإشعاعي يكون مؤلما وخطيرا، حيث إن 5% من المرضى الذين يفوق سنهم 65 سنة يموتون جراء الاستئصال الجزئي للرئة، وفي حالة الاستئصال الكلي للرئة يموت 14% من تلك الفئة.
ولكن ألا تدل تلك الإحصاءات المثيرة التي تشير إلى أن نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات إضافية تصل إلى 80% لدى المرضى الذين يجرون فحصا بالرسم السطحي مقابل 15% فقط لدى غيرهم؟ والجواب هو: لا. ولكي نفهم تلك الإحصائية يجب أن ننظر إلى الطريقة التي استنتجت بها. فلو تصورنا مثلا أنه من بين 1000 ممن شخِّص لديهم سرطان الرئة قبل خمس سنوات، لم يبق على قيد الحياة سوى 150 شخصا، ستكون نسبة الحياة على مدى الخمس السنوات هي 15%. لكن حتى لو كان هؤلاء المرضى قد أجروا فحص الرسم السطحي، فإنه لن يمدد في حياتهم يوم واحد، حيث تتساوى نسبة 15% و80% بالنسبة لمن قضوا خمس سنوات بعد تشخيص سرطان الرئة لديهم. ولكشف مغالطة ما تشير إليه الإحصائية يجب أن نمارس بعض الرياضة الذهنية. فلنعتبر أن مجموعة من الأشخاص ممن لديهم سرطان الرئة سيموتون جميعا عند سن السبعين. إذا كانوا قد أجروا فحص الرسم السطحي عندما كان سنهم 67 فإن نسبة بقائهم أحياء استنادا إلى نسبة خمس سنوات المذكورة ستكون منعدمة تماما. لكن في حالة تشخيص مرضهم في سن 63 فإن نفس النسبة ستصبح 100%. بيد أن ذلك لن يغير شيئا في تأخير موعد الوفاة الذي سيبقى مستقرا في 70 سنة، وهذا يدفعنا للتساؤل ماذا استفاد الذين شخصوا المرض في سن 63 أو 67 ما دام الموعد المحدد للموت ظل هو نفسه.
وبالإضافة إلى المغالطات السابقة التي تبالغ في فائدة الفحص بالرسم السطحي، هناك دليل آخر يثبت خطل الإحصاءات التي تمدد فترة الحياة. فلنتصور أنه في مدينة ما تم تشخيص 1000 حالة من مرضى سرطان الرئة بعد فحص لطبيعة السعال ونقص الوزن. بعد مرور خمس سنوات توفي 150 شخصاً وظل 850 على قيد الحياة، ما يعن