فيما أعلن عن بداية انطلاق التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت في أبوظبي الأسبوع الأول من الشهر المقبل، فإن العديد من الشواهد تشير إلى أن هذا الحدث المهم لم يأخذ حقه من الاهتمام. فالميزانية المخصّصة لهذا التعداد لا تتجاوز 15 مليون درهم، وهو مبلغ يقصر كثيراً عن توفير جميع المتطلبات البشرية والمادية التي تضمن دقة وشمولية هذا التعداد، كما أن الإعداد لهذا التعداد تم على عجل ولم تكن هناك فترة زمنية كافية تضمن تغطية جميع الجوانب الفنية والنظرية التي تضمن نجاح هذا التعداد، فلا دراسات نظرية لتجارب التعدادات السابقة، ولا عيّنات ميدانية كافية للاهتداء بنتائجها في التخطيط لهذا التعداد وإعداد صحائف الاستبيان، ولا مؤتمرات ولا ندوات ولا حتى إعلانات تسهم في تهيئة المجتمع لهذا الحدث وتوفر كل الظروف المطلوبة لإنجاح هذا التعداد، وكل ذلك يقابله برود إعلامي واضح تجاه التوعية والتنوير وإثراء النقاش حول أهمية وأهداف هذا التعداد، رغم أن هذا التعداد هو الأهم في تاريخ تعدادات الدولة، لثلاثة أسباب: الأول، لمعالجة الكثير من مشكلات وقضايا الأمن القومي، التي تبدو أكثر تعقيداً من ذي قبل. والثاني باعتباره أساساً لإعادة النظر في الكثير من الخطط والاستراتيجيات المستقبلية، التي تتطلب نتائج مثل هذا التعداد أكثر من أي وقت مضى. والثالث للوقوف على الإحصاءات الدقيقة حول حجم التغيّرات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والأمنية والثقافية التي شهدتها الدولة بعد آخر تعداد سكاني في منتصف التسعينيات، والتي هي الأكبر حجماً والأسرع إيقاعاً في تاريخ الدولة. لقد شهدت الدولة خلال السنوات العشر الماضية مضاعفة أعداد الوافدين الداخلين إليها، كما شهدت خلال تلك الفترة توسّعات عمرانية كبيرة، زادت معها البنايات والمنشآت الاقتصادية والتجارية، كما تضاعف حجم اقتصاد الدولة وتنوّعت قطاعاته وتغيّرت سماته، ما ضاعف من حجم هذه القضايا والملفات.
فالتعدادات السكانية الثلاثة التي تم تنفيذها خلال العقود الماضية كان لها الأثر البالغ في وضع الرؤية السليمة لخطط الدولة في العديد من المجالات، ما قلّص التقديرات العشوائية للبرامج التنموية. بل إن دولة الإمارات بإيقاعها التنموي المتسارع حالياً في المجالات كلها تتطلّب ما هو أقرب من تعداد سكاني يجرى كل عشر سنوات. ولمواكبة هذا الإيقاع، فإن الجهات المتخصصة مطالبة بإجراء مسح ميداني شامل ودقيق عن طريق العيّنة، كل عامين، بحيث يغطي هذا المسح كل خصائص المجتمع الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية. ومثل هذا المسح -إذا ما تم تنفيذه بالصورة العلمية السليمة- يمكن أن تتمخّض عنه نتائج سريعة تفوق في دقتها وتفصيلها ما يمكن الحصول عليه عبر التعداد القومي نفسه. أما اللجوء إلى التعدادات النظرية المتاحة عبر استخلاص ملفات الدوائر الرسمية، حسب ما يقترح البعض، فلن يكون بديلا عن التعداد السكاني أو المسح الميداني الشامل والدقيق عن طريق العيّنة، للوقوف على حجم التحولات الكبرى التي تشهدها الدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية