الآلاف من الطلبة يتجهون هذا الأسبوع إلى مراكز التعليم العالي المنتشرة في دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه الجامعات والكليات والمعاهد ليست سواء في مستوياتها وأهدافها. وتعد دولة الإمارات إحدى أسرع الدول نمواً فيما يرتبط بعدد مؤسسات التعليم العالي، فمن جامعة واحدة أسست عام 1977 إلى أكثر من خمسين مؤسسة تعليم عالٍ مرخصة وغير مرخصة، أي أن بعضها نال الاعتماد والترخيص من قبل هيئة الاعتماد في الدولة وبعضها لا يهتم بمتطلبات وشروط هذه الهيئة. والسؤال هو: ماذا تقدم هذه المؤسسات لطلبتها، وهل تمثل مخرجات هذه المؤسسات أحلام الدولة في جيل البناء الذي يسهم في إكمال الدرب الذي بدأه الرواد بالنحت في صخور الواقع حتى تحقق كل ما نراه اليوم في هذه الدولة المباركة؟ بكل تأكيد لست أنا من يصدر الحكم لكنني سأفوض الطلبة للقيام بهذه المهمة عبر تزويدهم ببعض المعايير التي نتمنى أن نراها في جل مؤسسات التعليم العالي في الإمارات.
أبنائي وبناتي طلبة التعليم العالي من أهم المعايير التي من الواجب البحث عنها في الجامعة والكلية التي تدرسون فيها هو المعيار الوطني، بلغة أخرى هل تغرس فيكم هذه المؤسسة هويتنا العربية المسلمة وهل تنمي فينا هذه الجامعات قضية من أهم قضايانا ألا وهي الانتماء لهذا الوطن المعطاء؟ هل يتكون لدينا كطلبة في هذه المحافل موضوع الولاء لوطننا الذي لم يبخل علينا بشيء، أم أن هذه المؤسسات تحاول اجتثاثنا عن انتمائنا وهويتنا ووطننا؟ بإمكانكم البحث في المواد التي تدرس هل فيها ما ينمي لدينا هذا الحس، في جامعة الإمارات التي أنتمي إليها لدينا مثلا مادة مجتمع الإمارات وهي إجبارية على كل الطلبة، هل عندكم مثل هذه المادة في كلياتكم وجامعاتكم، إن لم تكن فإن الواجب يدعوك لدراسة مثل هذا الموضوع بصورة ذاتية فبدون انتماء لن تكون عزيزي الطالب.
لا تفكير إذاً لا نجاح هذا هو شعار الواقع والمستقبل. إن مؤسسات التعليم العالي مدعوه لتعليم الطلبة الطرق الصحيحة للتفكير، للأسف الشديد قد نتعلم في مدارسنا الشيء الكثير لكننا لا نتعلم كيف نفكر والنتيجة هي جيل عاجز عن التفكير بطريقة علمية مما يجعله ناجحا في التنفيذ منتظرا من يفكر عنه. تفتخر مؤسسات التعليم العالي الجيدة في العالم بأنها تزود خريجيها بمهارات التفكير المختلفة والتي من أهمها التفكير الناقد الذي يجعلنا قادرين على تحليل الواقع والنظر في طرق تفكيرنا لنقد الذات والوصول بها إلى أرقى المستويات، وهذه المهارة لازمة اليوم في عصر الانفجار المعرفي وتدفق المعلومات والأفكار من كل حدب وصوب وبدونها يضيع الإنسان في لجة الأفكار الشاردة والواردة. ومن مهارات التفكير كذلك التفكير الإبداعي الذي يزود صاحبه بأهم أداة للتطوير والابتكار والخروج من المألوف إلى عالم التجديد والإبداع. ومنها كذلك مهارة اتخاذ القرار ومن منا في غنى عن هذه المهارة، فدورياً نتخذ العديد من القرارات التي نندم عليها، فمثلا كيف اتخذت قرار التخصص الذي أنت فيه وهل كان هذا القرار عبر طرق تفكير سوية أم أنك استعجلت في صنع القرار وربما قلدت غيرك من الناس، إن فعلت ذلك قد تندم على هذا القرار. ومن مهارات التفكير اللازمة اليوم مهارة حل المشكلة، كم منا حاول حل بعض المشاكل وكانت النتيجة تفاقمها وتعقدها لأننا حاولنا التعامل مع مشكلاتنا دون وعي، هل في جامعاتكم مواد تعلم مثل هذه المهارات، إن لم يكن فأنتم على خطر عظيم إن لم تبادروا بتعلمها عبر طرائق التعليم المختلفة.
لدينا إذاً في هذا المقال نقطتا فحص تبينان هل مؤسسة التعليم العالي التي ندرس فيها تساعدنا على الحياة الناجحة أم أنها تقودنا إلى الفشل من حيث ندري أو لا ندري، وهذه المحكات في تصوري هي من أهم الأمور الواجب تعلمها، لأن الجامعة التي تقدم مجرد معلومات فإنها تخرج لنا مزيداً من الجهلة لأنهم مع تخرجهم إما أن المعلومات قد تغيرت أو أنها تنسى، وفي المقال القادم نكمل بقية السمات.