بعد أن أعلنت جامعة الإمارات أنها تعاني صعوبات في مواردها المالية تعوق تحقيق أهدافها وطموحاتها، وبعد أن أكدت هيئة تنمية وتطوير الموارد البشرية الوطنية "تنمية" أن استمرار الوضع الحالي الذي تمر به الهيئة فيما يتعلق بمحدودية مواردها المالية سينعكس على جهود الهيئة لتأهيل وتوظيف المواطنين، ما يعوق توظيف 85% من المواطنين العاطلين عن العمل المسجلين لدى الهيئة، والذين يتطلّعون إلى فرص تأهيل وتوظيف يصعب حصولهم عليها دون تدريب، فإن قضية تمويل التعليم والتدريب تطرح نفسها بقوة، بحثاً عن حلول دائمة، وطرق بديلة للتمويل، منها تنمية المصادر المالية غير الحكومية، واستخدام مؤسسات التعليم والتدريب كمكاتب استشارية ومراكز إنتاج، وزيادة دور القطاع الخاص والشعبي في دعم هذه المؤسسات، من خلال الاستثمار والدعم المباشر وغير المباشر والوقف. إن النمو المطرد في أعداد الملتحقين بالتعليم والتدريب يلقي مسؤولية ضخمة على الدولة في تمويل هذه الأنشطة، وسط تسارع عالمي في النمو المعرفي والعلمي وتطوّر أنظمة التعليم والتدريب وأساليبه، ما يجعل البحث عن مصادر أخرى غير حكومية للإنفاق على هذا القطاع أمرا ملحّا بالنسبة إلى المهتمين بالتنمية البشرية في الدولة، كما يفرض دوراً أكثر أهمية وفاعلية على المجتمع بقنواته وشرائحه كافة للمساهمة بفعالية في تمويل التعليم والتدريب كأحد أهم روافد التنمية الشاملة في الدولة.
وبالنسبة إلى دور القطاع الخاص في تمويل التعليم والتدريب، فلابدّ من سنّ تشريعات واتخاذ إجراءات وضوابط وتقديم تسهيلات من شأنها تشجيع هذا القطاع على الاستثمار المجدي وغير الربحي في مجال التعليم والتدريب، والمساهمة في تمويله مع الحرص على الجودة والاختصاصات التي يحتاجها سوق العمل. إن خلاصة كل ما كتب أو قيل عن تنويع مصادر تمويل التعليم والتدريب، تؤكد أن "خصخصة" هذا القطاع هي أنجع وسيلة لتطويره، وهو ما تقتضيه متطلبات المرحلة المقبلة، وهنا لا يقصد تشجيع الجامعات "التجارية" الخاصة بقدر ما يقصد تخصيص التعليم العالي الحكومي نفسه. إن قضية تمويل التعليم والتدريب في دولة الإمارات تستفحل من عام لآخر، وإن الخصخصة الناجحة لمؤسسات التعليم والتدريب فرصة حقيقية للحصول على تعليم ينسجم مع متطلبات سوق العمل المحلية ومع التطوّرات العالمية، كما أن ذلك سيؤدي إلى فلترة المؤسسات التعليمية الخاصة التي تبدو تجارية أكثر منها أكاديمية. فكثير من المؤسسات الأكاديمية الخاصة تسير دون أهداف واضحة ودون شخصية أكاديمية مستقلة تتشكل وتنمو مع الزمن، بل وتستمد معاييرها من السلبيات الموجودة في التعليم العام، كما تعاني خللا متعدد الوجوه، نتيجته الحتمية، أن هناك مشكلة "جودة"، ومخرجات لا تواكب متطلبات سوق العمل سريعة التغيّر، ولا إيقاع التطوّرات العالمية المتسارعة. إن دولة الإمارات ليست بحاجة إلى زيادة "كمية" في مؤسسات التعليم والتدريب بل هي بحاجة إلى مؤسسات منافسة، كما أنها ليست بحاجة إلى جامعات جديدة، بقدر ما هي بحاجة إلى رؤية تعليمية وتدريبية جديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية