أخيراً وبعد مرض دام عشر سنوات، و40 سنة من الدعوة إلى الله، رحل عن عالمنا يوم الاثنين الموافق 8/8/2005 العالم الجليل والداعية الكبير الشيخ أحمد ديدات، وهو في قلب المعركة. وبرحيل هذا العالم البارز في سماء الدعوة الإسلامية، تكون الأمة الإسلامية قد فقدت أحد أبرز علمائها وأحد أهم رجالات الدعوة في العصر الحديث، لأن الشيخ أحمد ديدات لم يكن رجل دعوةٍ عادياً بل كان ذا منهج متفرد في الدعوة إلى الله، كان عالماً .عامِلاً وأمة في رجل، دافع عن الإسلام وحمل هموم الدعوة الإسلامية على كتفيه لمدة 40 سنة. عمل بكل إخلاص على نشرها في كافة بقاع الأرض وتميزت شخصيته الدعوية بقدر هائل من الإيمان بالهدف الذي يسعى إليه، وبقدر هائل من الذكاء والحكمة والحنكة في التعامل مع مناظريه من المبشرين والمنصِّرين والقساوسة والرهبان. فتح معهم حوارات كثيرة ومناظرات عديدة، ناقشهم في نقاط القصور والضعف الموجود في عقديتهم. وكان حريصاً كل الحرص في حواراته على انتهاج أسلوب الحوار الهادئ والمنطق العقلاني ومنهج المكاشفة باستخدام الحجة والبرهان من القرآن والسنة، حتى يصل برسالة الإسلام إلى من يجهل حقيقة الإسلام. ظل يتابع نشاطه في مجال الدعوة باجتهاد عالٍ، يخرج من مناظرة ليدخل إلى محاضرة، ويخرج منها ليدخل إلى مناظرة أخرى، حتى بلغت مناظراته 235 مناظرة ومحاضرة، وبلغ عدد القساوسة والرهبان المعروفين الذين ناظرهم 32 راهباً وقسيساً، كان أشهرهم القس الأميركي سواجارت الذي كان يعتبر من أكثر المنصِّرين نفوذاً، حيث كان يشاهده أكثر من مليون شخص في الولايات المتحدة ويصل حديثه إلى أكثر من 140 بلداً، والذي قال: "إن الخطر الذي يهدد الحضارة الغربية الآن ليس الشيوعية وإنما هو الإسلام الذي يغزو بلاد الغرب بصورة مذهلة".. حتى البابا يوحنا بولس الثاني الذي كان ينادي بضرورة الحوار بين الإسلام والمسيحية طلب الحوار معه عدة مرات لكنه رفض، وبلغ من أسلموا على يديه 7000 شخص.
كانت بداية دخوله إلى مجال الدعوة قبل الحرب العالمية الثانية، عندما كان في سن السابعة عشرة، ويعمل في متجر للأثاث خارج مدينة ديربان في جنوب أفريقيا، حيث كانت توجد جامعة تبشيرية تسمى كلية آدمز تختص بتخريج الطلاب المبشرين، وكان هؤلاء الطلاب المنصرون يأتون إلى المتجر ليطبقوا ما تعلموه على العمال المسلمين حيث كانوا يعتبرون المسلمين عينات مختبرية لتجاربهم التنصيرية. سألوه أسئلة كثيرة عن دين الإسلام، ووجد صعوبة في الرد. ومن هذا العجز ولدت في داخله نزعة المعرفة، واتجه لدراسة القرآن الكريم والأناجيل بمختلف طبعاتها الإنجليزية، وكان كتاب "إظهار الحق" للعلامة رحمة الله الهندي منطلقه الأول إلى عالم المناظرات. وصدر كتابه الأول بعنوان "محمد في العهد القديم والحديث"، رداً على شبهات المستشرقين وعلى الكثير من الأقلام الحاقدة والحملات العدائية التي كانت تستهدف الإسلام ومنهجه المتفرد في الدعوة بمستوى عالٍ من الحكمة والمعرفة والبرهان، ووقف بقوة في وجه الزحف التنصيري الذي يهدف إلى إخراج المسلمين من عقيدتهم. كشف عن حقيقته ووسائله ودوافعه وأطماعه، وقال إن سلاحنا في هذه المعركة القرآن الكريم، قد حفظناه لقرون لنكسب الثواب فقط، ولكن يجب علينا الآن أن نستعين به في ميدان المعركة لمواجهة التبشير والمبشرين. هاجم الصهيونية في كتابه "العرب وإسرائيل شقاق أم وفاق؟"، وحذرنا من أعداء الداخل "المسلمين بالبطاقة"، حيث قال عنهم إنهم أصبحوا أخطر من الغرب على الإسلام. كان واضحاً أشد الوضوح بخصوص الخطر التنصيري ومؤامرة الغرب على الإسلام عندما قال: "هذه الصحوة الإسلامية التي بدأت تنتظم في العالم الإسلامي قد أرهبت الغرب، ولكي يقلل من شأنها بدأ يطلق عليها أسماء تخيف الناس، منها الإرهاب والتطرف والتعصب وغير ذلك من الأسماء، وهذه دعاية غربية تساندها مؤسسات التنصير لتقلل من شأن الحركات الإسلامية، وهذه هي استراتيجيتهم الجديدة التي يتبعونها لمحاربة الإسلام. وعلى ضوء هذه الحرب النفسية فإن العالم الغربي النصراني مصمم على تنصير العالم الإسلامي، ويعد لذلك خططاً مركزة لتنصير المسلمين حيث يتوزعون حول العالم لتنصير المسلمين وهم يقرعون بكل وسائلهم أبوابنا في بلادنا"، لذلك فإنه دعا المسلمين جميعاً لحشد الجهود والوسائل والأموال لمواجهة مثل هذه الحملات التنصيرية، ودعم مسيرة الدعوة الإسلامية.
كان شديد التواضع إلى درجة أنه عندما أرادت العديد من الجامعات أن تمنحه اللقب الشرفي لنيل الدكتوراه الفخرية، لم يهتم بهذا اللقب الذي يحاول الكثيرون اليوم البحث عنه بأي طريقة وأي ثمن، واكتفى بأن يعرفه الناس كبائع للأثاث.
إنني أدعو طلاب الدراسات العليا إلى أن يجعلوا تراث هذا الداعية الكبير مجالاً لأطروحاتهم وأن يكون منهجه المتفرد في الدعوة ضمن مناهج التعليم العام.
رحم الله الشيخ أحمد ديدات وجزاه الله عن العلم والإسلام والأمة خير ما يجزي به العلماء العاملين والدعاة الصادقين.