كل حسابات الحقل والبيدر تشير إلى أن ورطة الادارة الاميركية في العراق تتشابه إلى حد كبير مع ورطة الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان. يقينا أن ماركس وإنجلز ولينين قد أشبع كل منهم رأسه لطماً وهو في قبره عندما تناهى إلى أسماعهم أن حفيدهم بريجينيف ورفاقه الآخرين قد قرروا بناء الاشتراكية في أفغانستان! وعلى نفس المنوال ويقينا أيضا، فإن جورج واشنطن يضرب الآن أخماسا في أسداس، بعدما عرف أن من يجلس محله في البيت الأبيض قد حزم أمره وقرر بناء مجتمع ديمقراطي في العراق على الطريقة الأميركية. لقد اعتقد بريجينيف أن بناء الاشتراكية هو عبارة عن عملية زراعة (الكرافس) فهي تحتاج لقليل من الماء ويكون جاهزاً للتقديم بعد أيام معدودة، فيما يعتقد جورج بوش الابن أن الديمقراطية هي وجبة سريعة.
تسمم الأفغان بعد أن تناولوا (الكرافس) الذي زرعه بريجينيف لهم وأصيبوا بالإسهال الشديد الذي لازالت آثاره ومضاعفاته واضحة عليهم. وفرح العراقيون في البداية بالوجبة الأميركية السريعة، التي قدمها بوش لهم فرحة الأطفال بها, لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الهدية ليست إلا مفخخات وشح ماء وكهرباء.
بعض الوجوه السياسية العراقية التي تولت مواقع المسؤولية الرسمية بعد سقوط نظام صدام غاصت حتى النخاع في التناحر على توزيع السلطة، فطُرحت ثلاثة دساتير في دستور واحد. إن هذه النخب السياسية القديمة الجديدة عجزت حتى الآن عن النهوض بالواقع الأمني والخدمي للشعب العراقي، لا بل فشلت في إيقاف الانحدار السلبي في هذا الواقع.
أما الإدارة الأميركية وبعد استهلاك معظم هذه الوجوه فإنها ستلجأ – وربما بدأت سراً – في تربية – بطل وطني جديد – يكون بمثابة "صدام مُحسن" يتولى مهمة التفاوض معها ومقاتلتها في آن واحد، بما يؤدي إلى انسحابها من العراق وفرض هيمنته على كافة الأجزاء عدا كردستان التي سيتعامل معها من موقع الند للند على أساس توازن القوى. وفي هذه الحالة سيفتخر الأميركان بأنهم قد فعلوا جميلاً للعراقيين، فمنعوا قيام دولة دينية في العراق وما عدا ذلك فإن نفس الطاحونة ستدور من جديد. كم ستكون سعادتي كبيرة لو كان ما سطرته في السطور أعلاه مجرد وصف لكابوس حلّ ضيفا مزعجا ثقيلا وتأخذ الأمور بقدرة قادر عظيم منحى آخر يؤدي إلى خروج العراق من هذا النفق المظلم.
د. وديع بتي حنا- السويد