في تقرير بالغ الأهمية رجح مركز الدراسات الدفاعية في كينجز كوليدج بلندن أن تصبح مدن أخرى غير العاصمة البريطانية أهدافا للإرهابيين، بعد التفجيرات الدموية التي تعرضت لها شبكة المواصلات في لندن الشهر الماضي، وأن يستهدف المهاجمون المحتملون أماكن تتجمع فيها أعداد كبيرة من الناس بهدف بث الذعر بينهم وإيهامهم بأن السياسيين يضعونهم في مواجهة الخطر المحيق من خلال التقاعس عن تغيير سياسات بعينها في مجالات محددة.
والتقرير من هذه الناحية يدق مجددا أجراس التنبيه الى أن المدنيين هم الأهداف المفضلة للإرهاب البشع الذي لا يتورع عن ارتكاب أفظع المذابح لبلوغ مراميه الشريرة، وبالتالي إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية لمحاصرته ومكافحته بشتى السبل إنقاذا للبشرية من مصير مظلم إذا لم يفلح العالم في اجتثاثه من الجذور.
ولا شك أن الوصول إلى تحقيق هذه الغاية لا يستلزم فحسب حشد كل ما يمكن من إمكانات وموارد سواء على المستوى الوطني أو العالمي، بل يفرض تشكيل جبهة عالمية بالمعنى القانوني والسياسي، تقف سدا منيعا ضد الإرهاب بكافة أشكاله، وهنا تبرز أهمية ما كشف عنه أمس مصدر دبلوماسي بريطاني بشأن اقتراح يرمي إلى ترتيب اجتماع لزعماء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل، لبحث سبل معاقبة الأشخاص الذين يحرضون على الإرهاب من خلال الحض على الكراهية العنصرية وتمجيد أعمال العنف الإجرامي· وحسب تصريحات الدبلوماسي البريطاني فإن الاقتراح ربما يطلب من مجلس الأمن إصدار قرار أو بيان يناشد جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتبنى كل منها تشريعات تحظر التحريض على الإرهاب.
ربما كان هذا الاقتراح بمثابة متابعة على المستوى الخارجي لحملة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الداخل ضد دعاة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، في إطار خطة ''تغيير قواعد اللعبة'' التي أعلنت في الخامس من أغسطس الجاري، ردا على تفجيرات السابع من يوليو الماضي، لكن الاقتراح في حد ذاته إيجابي من حيث أنه قد يعكس الاتجاه إلى نقل الحرب على الإرهاب لتكون ضمن مسؤوليات المنظمة الدولية المعنية- وفقا لميثاقها- بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين في مواجهة أي أخطار تهددهما· وما من شك في أن الإرهاب العالمي أضحى أخطر أعداء البشرية والمدنية والحضارة الانسانية، ومن ثم العدو الأول للأمم المتحدة، التي يتعين عليها اغتنام فرصة القمة العالمية التي ستعقد في نيويورك بمناسبة اجتماعات جمعيتها العامة بمشاركة نحو 071 من زعماء دول العالم، لتطوير مثل هذا الاقتراح، لاسيما وأن هؤلاء الزعماء من المقرر أن يناقشوا مشروع معاهدة جديدة لمكافحة الإرهاب ضمن قضايا أخرى عالمية.
ولا يمكن تصور نجاح المجتمع الدولي في وضع مثل هذه المعاهدة الجديدة موضع التنفيذ الصارم من منطلق الالتزام الدقيق بكل بنودها، إلا من خلال الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، من شأنه أن يجعل الجبهة المناهضة له تتسع حتى تغطي الكرة الأرضية، وأن يزيد من صلابتها وفعاليتها، ويعزز من سبل التنسيق بين أجنحتها، بحيث يستحيل اختراقها من جانب خفافيش الظلام أعداء التقدم الإنساني.