أعلنت وزارة العمل عن سياسة جديدة أطلقت عليها سياسة "تجفيف المنابع" للقضاء على تجارة التأشيرات، وقوبلت هذه السياسة بسيل من الحيل والمناورات التي تستهدف الالتفاف على قرارات الوزارة وإجراءاتها، فالكل يريد "تضليلها"، واعترف مسؤولون بالوزارة في تصريحات صحفية لم يكشفوا فيها عن أسمائهم، بمحدودية النتائج التي يمكن تحقيقها في مجال مواجهة تجارة التأشيرات من خلال وقف منشآت الكفيل، مشيرين إلى انتشار طرق وأساليب مبتكرة للتحايل على القوانين! وفي ضوء ما سبق وغيره من الاستنتاجات وسلسلة الإخفاقات في هذا المجال، يبدو واضحاً أن ظاهرة تجارة التأشيرات هذه ليست مجرد تصرفات عابرة بقدر ما تعكس وجود "علاقات مصالح" تدعم هذه التجارة، ولذا من الضروري النظر إلى هذه القضية باعتبارها "مفتاحا" لحل معظم إشكاليات سوق العمل المحلية، بل هي مفتاح للتخلّص من كثير من المتاعب الاجتماعية التي تعانيها مجتمعاتنا الخليجية. علاوة على أن التعامل الصارم مع هذه التجارة غير المشروعة يكتسب قيمة مضافة في ظل سرعة قطف ثماره، بخلاف الأفكار والمقترحات الأخرى لضبط إيقاع حركة المجتمع. والبداية تكون من خلال حسم الجدل الدائر حول الأولويات، وهل تعطى للأمن الاجتماعي والاقتصادي أم تمنح لمصالح شركات القطاع الخاص، فرغم أن الإجابة المنطقية قد تكون بديهية وتعطي الأفضلية والأولوية المطلقة للخيار الأول، فإن ما يحدث على الأرض في مجال تجارة التأشيرات تحديداً يجافي هذا المنطق ويتعارض مع المصلحة العامة.
أحد الكتّاب الخليجيين وصف مؤخرا ظاهرة تجارة التأشيرات بأنها "جريمة صغيرة" تؤسّس لجرائم أكبر وأخطر، وهذا صحيح فهي مصدر للكثير من الشرور والمتاعب التي تعانيها مجتمعاتنا. والغريب أن سياسة "الباب المفتوح" هذه بل قل سياسة "اللا باب" من الأساس، ممثلة في ترك الحبل على الغارب لتجارة التأشيرات ومكاتب الاستقدام لجلب من تشاء في أي وقت تشاء، هي جوهر القضية بعد أن تحوّل الجميع إلى "بيزنس الاستقدام" رافعين شعار احتياج المشروعات الجديدة ومتحايلين على أي إجراءات تستهدف "فلترة" العمالة الوافدة، ومستغلين ارتباك وزارة العمل وتردّدها وقراراتها التي تصدر في بعض الأحيان من دون دراسة ما يضطر الوزارة بعد ذلك إلى فتح باب الاستثناءات أو التخلّي عن القرار من أساسه!
المفترض أن الدولة تحتاج في المرحلة المقبلة إلى نوعيات عمالة ماهرة عالية التخصّص تسهم في تحقيق الطفرة التنموية التي نصبو إليها، فلا ينبغي أن نترك ملف الاستقدام بعيدا عن الرقابة المحكمة، وينبغي أن تكون الأولويات واضحة ومحسومة وتتجاوز حسابات الربح والخسارة الآنية التي يجعل منها القطاع الخاص غطاء لجلب المئات من العمالة التي لا يحتاجها في كثير من الأحيان. وإذا كان من حق الشركات أن تحقق أرباحا تتيح لها الاستمرار، فإن من حق الدولة بالمقابل أن تضع من القواعد الصارمة ما يضمن مصلحتها على المدى البعيد، فالصمت على "جريمة صغيرة" لن يفرز سوى "جرائم أكبر".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية