كشفت أحدث الإحصاءات الخاصة بموقف الرأي العام الأميركي تجاه الإسلام عن حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن موقف الأميركيين من الإسلام قابل للتحسن إذا ازدادت معرفتهم الصحيحة بالإسلام والمسلمين. الإحصاء الصادر في أواخر شهر يوليو الماضي عن مركز "بيو" الأميركي للأبحاث – والذي يعد أحد أشهر مراكز قياس توجهات الرأي العام الأميركي – كشف تحسناً طفيفاً ولكنه مشجع في موقف الرأي العام الأميركي من الإسلام خلال العامين الماضيين، إذ تراجعت نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن الإسلام يحض على العنف من 44% في يوليو 2003 إلى 36% في يوليو الماضي.
وخلال الفترة نفسها زادت نسبة الأميركيين الذين ينظرون إلى مسلمي أميركا نظرة إيجابية من 51% إلى 55%، كما زادت نسبة الأميركيين الذين يشعرون بتقارب مع الإسلام كديانة من دياناتهم، في الوقت الذي ثبتت خلاله تقريبا نسبة الأميركيين الذين ينظرون للإسلام بشكل عام نظرة سلبية لتقف حول نسبة 40% من الشعب الأميركي، وهي دون شك نسبة مرتفعة.
ما يدعو إلى التفاؤل في هذه الظروف أمران أساسيان، الأمر الأول هو أن وجهة نظر المواطن الأميركي تجاه الإسلام قابلة للتغيير كما أظهرت الإحصاءات السابقة، أما الأمر الثاني فهو العلاقة الإيجابية بين مستوى معرفة المواطن الأميركي بالإسلام ونظرته الإيجابية تجاهه. فالاستطلاع وجد أن أضعف نسبة تعاطف مع الإسلام ومساندته تتواجد بين عدة فئات رئيسية من الشعب الأميركي، الفئة الأولى هي الإنجيلكانيون المتدينون (21% منهم فقط يساندون الإسلام)، والفئة الثانية هي فئة الأميركيين ممن تفوق أعمارهم 65 عاما (25%)، أما الفئة الثالثة فهي قطاع الأميركيين غير الحاصلين على تعليم جامعي (28%).كما وجد الإحصاء أن أصحاب التوجه السياسي "اليميني" أكثر قابلية بشكل مطرد للنظر سلبيا نحو الإسلام مقارنة بأصحاب التوجه الليبرالي.
وعندما قارن الإحصاء بين مستوى معرفة المواطن الأميركي وموقفه من الإسلام وجد أن هناك علاقة واضحة وإيجابية بين طرفي المعادلة السابقة، فعلى سبيل المثال وجد الاستطلاع أن 24% فقط من قليلي المعرفة بالإسلام يمتلكون توجهات إيجابية نحوه، في حين تتضاعف هذه النسبة تقريبا لتصل إلى 49% في أوساط من يمتلكون معرفة جيدة بالإسلام.
ورداً على سؤال حول مدى التقارب بين الإسلام والديانات الأميركية الأخرى، ذكر 44% من أصحاب المعرفة الجيدة بالإسلام أن الإسلام قريب من دياناتهم، في حين لم تتعد هذه النسبة في أوساط قليلي المعرفة بالإسلام نسبة 12% فقط.
الإحصاءات السابقة تؤكد مدى قابلية المواطن الأميركي لتحسين موقفه من الإسلام إذ زادت معرفته به، كما تؤكد أيضا أن معرفة المواطن الأميركي العامة بالإسلام مازالت منخفضة إلى حد كبير كما يشير الاستطلاع ذاته، فعندما سأل الاستطلاع المشاركين فيه عن اسم رب المسلمين وعن اسم كتاب المسلمين المقدس، لم يتمكن من الإجابة الصحيحة سوى نصف المشاركين في الاستطلاع تقريبا، ما يعني أن هناك فرصة حقيقية لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة عن طريق زيادة وعي المواطن الأميركي بالإسلام من خلال مصادر موضوعية صحيحة.
ويقودنا هذا إلى الحديث عن الشق الثاني وهو الحاجة إلى الاستفادة من الحقائق السابقة في دعم الجهود الرامية إلى نشر الوعي بالإسلام والمسلمين في أميركا، وذلك من خلال العمل على مستويات أربعة أساسية، أولها: رصد مصادر تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، وهو عمل تقوم عليه منذ سنوات منظمات مسلمة أميركية على رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) والذي يرصد بصفة يومية غالبية ما ينشر عن الإسلام بوسائل الإعلام الأميركية وفقا لما ترصده دوائر الأبحاث الإلكترونية الأميركية المعروفة.
وقد اشتكت "كير" في الفترة الأخيرة من كم الهجوم على الإسلام القادم من جهات "يمينية" متشددة وخاصة برامج الراديو الحوارية والتي انتشرت خلال السنوات الأخيرة انتشاراً هائلاً، وباتت مصدراً خطيراً لتأجيج العداء ضد الإسلام والمسلمين في أميركا خاصة في فترات الأزمات كما حدث مؤخراً بسبب تفجيرات لندن الإرهابية.
ومن دون شك هناك حاجة أكبر لرصد مثل هذه الاتهامات والرد عليها فور صدورها بالأساليب الإعلامية والقانونية المناسبة.
الركيزة الثانية هي ألا تشغل هذه الاتهامات المغرضة المسلمين عن القيام بواجبهم الأهم والخاص بتوعية المواطن الأميركي بصورة الإسلام الصحيحة، خاصة في ظل انفتاح المواطن الأميركي الكبير ورغبته القوية في الإطلاع ومعرفة المزيد، فعندما أطلقت "كير" في شهر مايو الماضي حملة لتوفير نسخ مجانية من ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية للأميركيين الراغبين في قراءة القرآن والتعرف عليه بعد حوادث التدنيس التي تعرضت لها نسخ من لقرآن الكريم في معتقل جوانتانامو تلقت "كير" حتى الآن أكثر من 18 ألف طلب للحصول على القرآن بشكل فاق توقعات "كير" وقدرتها الحالية على توفير نسخ من القرآن لطالبيه.
لذا ينبغي علينا رصد ا