في 25 فبراير 2004 اقتحم مجموعة من الرجال المقنعين أحد البنوك والرصاص ينطلق من رشاشاتهم. قاموا أولا بحجز الموظفين، ثم استولوا على ما يناهز 8 ملايين دولار مخلفين وراءهم 47 جريحا. جرى هذا السطو المسلح في رام الله، ونفذه جنود إسرائيليون أوقعوا العديد من الضحايا الفلسطينيين. وبالطبع مر الحادث دون أدنى اهتمام من الإعلام الغربي. بيد أن ذلك لم يكن آخر أنواع السطو، بل إن هناك أنواعاً أخرى من قبيل ما ذكرته المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان "بيتسليم" حيث جاء في إحدى وثائقها: "لقد قامت إسرائيل بسرقة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وأقامت عليها عشرات من المستوطنات، ليعيش فيها مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين".
وعادة ما تضفي سلطات الاحتلال على عملية تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم صفة شرعية، خصوصا عندما تتم إحالتها إلى قانون قديم يرجع إلى عهد الدولة العثمانية. فحسب هذا القانون تُمنح الأرض للمزارعين ليتوارثوها عبر الأجيال، لكنها تبقى في ملكية السلطان. وإذا توقف المزارع العربي عن رعاية الأرض لفترة ثلاث سنوات متتالية، فإن الأرض تعود له. ووفقا لهذا القانون، قامت إسرائيل بانتزاع العديد من الأراضي الفلسطينية واعتبرتها ملكا للدولة. وبعد سلسلة من المضايقات التي يتعرض لها المزارعون الفلسطينيون ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم بذريعة "الدواعي الأمنية" يتم إعلان الأرض "مهجورة"، وبالتالي تصبح ملكاً للدولة. ومباشرة بعد الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية يتم نقل المستوطنين إليها، حيث تُشق الطرق ويتم إدخال الماء والكهرباء المحولين من القرى الفلسطينية المجاورة. وما أن تتوسع المستوطنة حتى يتم بناء المزيد من الطرق المخصصة لليهود لتخترق وتدمر المزيد من القرى الفلسطينية.
ويعتبر مفهوم الاستيطان اليهودي في الفكر الصهيوني امتداداً طبيعياً للفكر الإسرائيلي القائم على التوسع. ويتجسد ذلك بوضوح في العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تسعى دائما إلى إقامة المستوطنات في المواقع الاستراتيجية مثل قمم التلال لتشكل خطاً متقدماً تنطلق منه الهجمات على الفلسطينيين. وتأخذ هذه الهجمات العديد من الأشكال، كأن تُوجه ضد التاريخ عندما تُقام المستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، أو أن تُوجه ضد موارد الرزق كالمزارع والبساتين لدفع الفلسطينيين إلى الرحيل. لذا فقد تم تحويل 75% من موارد المياه المتجددة في الضفة الغربية وقطاع غزة بطريقة غير شرعية داخل إسرائيل ليستفيد منها اليهود. وفيما يُسمح للفلسطيني باستهلاك 83 متراً مكعباً من الماء في السنة، يستهلك الإسرائيلي 333 متراً مكعباً. أما المستوطن اليهودي، فيصل استهلاكه إلى 1450 متر مكعب من الماء في السنة. وعادة ما يخطط لبناء المستوطنات بناء على أهداف عسكرية صرفة ترمي إلى استهداف البلدات الفلسطينية في حال اندلاع نزاع مسلح. وفي هذا الصدد، نجد أن مستوطنات "كيدوميم" تستهدف نابلس و"ناتزريت" تستهدف نزريت و"كيرات أربا" تستهدف الخليل.
ومازالت المستوطنات تتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية في خرق واضح لخريطة الطريق. فقد أظهرت الصور الجوية التي التقطها الجيش الإسرائيلي في مارس الماضي وجود حركة استيطان كثيفة في الضفة الغربية خلال الأشهر الماضية. وعلى رغم مرور وقت قصير على اجتماع شارون وجورج بوش، واصلت السلطات الإسرائيلية بناء المزيد من الوحدات السكنية في مستوطنة "معاليه أدوميم" في الضفة الغربية ضاربة عرض الحائط الاتفاقات السابقة التي تدعو إلى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. غير أن المستوطنين اليهود ومؤيديهم في الحكومة الإسرائيلية لا يرون في المستوطنات سطواً مسلحاً أو جريمة حرب، بل يعتبرونها خطوة مهمة نحو تحقيق نبوءة "شعب هو فوق كل الشعوب". وفي هذا السياق يقول الحاخام "شلومو أفينير" قائد مستوطنة "غوش إمونيم": "بينما يطلب الله من الأمم العادية الأخرى التقيد بالقواعد المجردة للعدل والحق، فإن تلك القوانين لا تنطبق على اليهود". لذا فإن احتلال الأرض، حسب هذا الحاخام، هو "فوق كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية". أما المبادئ الأخلاقية التي يعرفها الناس، فلم توضع لليهود، لأن اليهود، كما يؤكد، "اختيروا ليكونوا فوقها".