في خضمّ معركة التنافس على منصب رئيس الجمهورية في مصر، التي انطلقت رسمياً في السابع عشر من أغسطس بين عشرة رؤساء أحزاب، احتلت قضية تغيير الدستور المصري أو تعديل مواد رئيسية فيه، مركز الصدارة في برامج المرشحين. كان طبيعياً أن يطرح المرشحون المنافسون للرئيس مبارك رؤىً جسورة في هذه المسألة، باعتبارها قضية يلح عليها المثقفون منذ زمن طويل. غير أن الأمر المدهش أن برنامج مبارك نفسه قد سبق الجميع إلى فتح أبواب الدستور للمراجعة التي تبدو جذرية في بعض المجالات. وبهذا، أصبح أمر تعديل ومراجعة الدستور بدرجات مختلفة، قضية مشتركة بين جميع المرشحين الرئاسيين. لقد جاء برنامج مبارك الذي حكم مصر لأربع فترات رئاسية طبقاً للدستور الذي صدر في عهد الرئيس السادات، ليطرح عدة مجالات جوهرية للمراجعة. المجال الأول الذي يمثل صلب الحكم القائم في التجارب الديمقراطية الغربية، هو مجال الفصل بين السلطات الثلاث المشاركة في حكم الدولة، وهي السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء في الحالة المصرية، والسلطة التشريعية الممثلة في البرلمان الذي يحمل اسم مجلس الشعب، والسلطة القضائية. ولو نظرنا في مواد الدستور الحالية لوجدنا في الباب الخامس الذي يحمل عنوان "نظام الحكم" أن رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية (مادة 73)، ولوجدنا تحت عنوان السلطة التنفيذية، أن رئيس الجمهورية أيضاً هو الذي يتولى السلطة التنفيذية (المادة 137) وأنه يضع بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة ويشرفان على تنفيذها (مادة 138) ولوجدنا أن رئيس الجمهورية أيضاً هو الذي يقوم بتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم (مادة 141). إذاً فالدستور الذي وضع في عهد السادات يركز السيطرة على رئاسة الدولة والسلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية. وهنا يأتي البرنامج الانتخابي لمبارك ليطرح مبدأ المراجعة لهذا الوضع المتسم بتركيز السلطات في يد مسؤول واحد، ومن هنا يطرح البرنامج مبدأ تعزيز دور مجلس الوزراء وتوسيع اختصاصاته وتوسيع المدى الذي تشارك فيه الحكومة رئيس الجمهورية في أعمال السلطة التنفيذية، بما في ذلك قيام رئيس الجمهورية بممارسة عدد من اختصاصاته بعد موافقة مجلس الوزراء، وكذلك يطرح البرنامج مبدأ وضع ضوابط على ممارسة رئيس الجمهورية للصلاحيات المخولة له وفق أحكام الدستور عند مواجهة أخطار تهدد سلامة الوطن أو تعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري. إن هذا المبدأ الأخير يحاول تقليص السلطات المطلقة التي تمنحها المادة 74 من الدستور الحالي لرئيس الجمهورية، فهي تنص، على أنه لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ويوجه بياناً إلى الشعب ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها. إن هذه المادة تخضع لنقد شديد لفرط السلطات التي تمنحها لرئيس الجمهورية للتصرف طبقاً لتقديره الخاص للمخاطر المهددة للوحدة الوطنية. وبالتالي فإن برنامج مبارك عندما يطرحها للمراجعة فإنه يخاطب مطالب المعارضة على نحو إيجابي ويحد من سلطات الرئيس. فضلاً عن ذلك يعالج برنامج مبارك الانتخابي قضية العلاقة بين السلطة التنفيذية الخاضعة لرئيس الجمهورية والسلطة القضائية الخاضعة أيضاً لرئيس الجمهورية طبقاً للدستور الحالي، وهو ما يعني سيطرة رئيس الجمهورية على أعمال القضاء في البلاد، حيث تنص المادة 173 من الدستور الحالي تحت عنوان السلطة القضائية على ما يلي: "يقوم على شؤون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية".
وقد جاء البرنامج الانتخابي ليعد بمبدأ تعزيز استقلال القضاء من خلال إلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وهو ما يعني إلغاء رئاسة رئيس الجمهورية لهذا المجلس بالتالي وتحرير السلطة القضائية كسلطة مستقلة والفصل بينها وبين السلطة التنفيذية.
إن متابعة الحوار الانتخابي حول تعديل الدستور تقدم ثقافة مهمة للقارئ المصري والعربي، وعلينا أن نواصل رصد هذا الحوار في برامج المرشحين إلى أن يحسم الناخب قراره في السابع من سبتمبر يوم الانتخاب.