لا توجد ولادة بدون ألم·· والشعور بالألم دليل صحة وعافية، وما يجري في العراق اليوم سواء على الصعيد السياسي أو الأمني يؤكد على أن هذا البلد ما زال يتمتع بالصحة والعافية والقوة رغم كل ما يمر به من آلام، والمخاض العسير والمؤلم للدستور العراقي الذي أعلن يوم أمس عن ولادته بعد 15 يوما من الشد والجذب والمساومات والتي انتهت إلى الاتفاق على 151 مادة من أصل 153 مادة يحتويها الدستور يؤكد على إرادة الشعب العراقي على الحياة والاستمرار والنهوض من جديد والسير قدما في العملية السياسية للوصول بها إلى منتهاها لتحقيق الآمال والطموحات والأهداف التي يتطلع إليها العراقيون بكل فئاتهم وأطيافهم·
مسودة الدستور الذي يعتبر الأول لمرحلة ما بعد الحكم الديكتاتوري البائد ،أصبحت حاليا في عهدة البرلمان العراقي استعدادا للتصويت عليها بعد ثلاثة أيام هي بكل المقاييس إنجاز للعراق وطنا وشعبا الذي يضع قدميه اليوم على عتبة المرحلة الجديدة بدستور جديد يعتبر مكسبا حقيقيا للشعب العراقي يمكن البناء عليه في المستقبل وتطويره، وبالتأكيد لا يوجد هناك خاسر في التيارات العراقية التي استمرت أكثر من 51 يوما في المناقشات والحوارات والأخذ والجذب والخلاف لإخراج هذه المسودة إلى حيز الوجود وطرحها على البرلمان كحقيقة واقعة للحراك السياسي والاجتماعي الذي يشهده العراق في هذه المرحلة المهمة من تاريخه الحديث، والتنازلات ''إن صح أن نسميها كذلك'' من جانب التيارات السياسية والكتل والأحزاب التي توافقت على هذه المسودة لا تشكل أي خسارة أو انتقاص من حقوق هذه الكتل ومن تمثله من أبناء الشعب العراقي بل هي إضافة حقيقية ومكسب للعراق والعراقيين وهي تمثل دفعة قوية وشجاعة للعملية السياسية برمتها لإنجاح المرحلة الجديدة التي يعيشها العراق والتي سوف تقود إلى تغيير المشهد العراقي الراهن إلى الأفضل وتعيد للعراق مكانه ومكانته في الأسرة العربية والدولية·
العراق الجديد بدأ يتشكل مع ميلاد الدستور، والتجارب والآلام التي مر بها الشعب العراقي بكل أطيافه على مدى السنوات الخمسين الماضية تكسبة المزيد من الخبرة والحنكة للتعامل مع الظرف الراهن الذي يمر به هذا البلد لكي يختار الطريق الصحيح الذي يقوي من منعة هذا البلد ويلبي طموحات شعبه في الأمن والاستقرار والتنمية، والشعب العراقي الذي اختار قيادته السياسية في عرس ديموقراطي متحديا الإرهاب والإرهابيين والظروف القاهرة التي يعيشها هو الذي سيقول كلمته بشجاعة ونزاهة في استفتاء أكتوبر المقبل على الدستور للمضي قدما في معركة بناء العراق الحر المستقل الذي يضم كل أبناء العراق·