لم يكن هذا الصيف، الذي ما يزال يلهبنا ببقايا سخونته، مختلفاً عن صيف السنوات الماضية في حرارته، ولكنه بلا شك كان مختلفاً في الأحداث التي مرت بها أبوظبي، والقرارات التي صدرت فيها، والتي أنعشت صيفنا اللاهب، وحولت أبوظبي ومستقبل هذه الإمارة إلى حديث المجالس داخل الإمارات وخارجها، وصار البحث واختيار مجال الاستثمار فيها هو ما يشغل المستثمرين... وخصوصا أن المشاريع العمرانية التي أعلنت عنها أبوظبي صارت اليوم فرصة حقيقية أمام شركات البناء والتشييد المحلية والعالمية؛ فمئات الأبراج ستبنى وآلاف المنازل سيبحث أصحابها عمن يقوم بتصميمها وبنائها.
أبوظبي لا تبدأ اليوم من الصفر، فعجلة التنمية فيها قد بدأت في الدوران منذ عقود، ولكن الطموحات اليوم أكبر، والرغبة في المحافظة على إنجازات الماضي بإضافة إنجازات جديدة أصبحت مطلباً ملحاً يشعر به الجميع. ومن يراقب ما يحدث في أبوظبي يدرك أن هذه الإمارة مقبلة على طفرة اقتصادية وتنموية شاملة، خاصة في القطاع العقاري والصناعي وأسواق المال، وخصوصا بعد أن أصبح للقطاع الخاص دور أكبر، وهذا الدور يتسع ويكبر يوماً بعد يوم، كما أن البنية التحتية التي تتمتع بها أبوظبي تتميز بأنها على مستوى عالٍ من الجودة وتتميز بإمكانية كبيرة لتطويرها.
وواضح أن هناك رغبة حقيقية اليوم للاتجاه نحو الخصخصة وبالتحديد في المجالات غير الأساسية التي يمكن أن تتخلى عنها الحكومة لصالح القطاع الخاص، وهذا ما تقوم به كل الدول المتطورة وما تقوم به أية حكومة من أجل تقديم خدمة أفضل للمواطن والمقيم، وفي نفس الوقت من أجل تخفيف الضغوطات عليها لتتفرغ لوضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى وتتمكن من قياس مستوى أدائها وتقييم مستوى الخدمات التي تقدمها... وما أعلنه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حول خطط إعادة هيكلة النظام الحكومي والخدمات يؤكد هذا التوجه، ويساهم في نفس الوقت في تفعيل أداء الأجهزة الحكومية والتخلص من البيروقراطية وتخفيض نسبة البطالة المقنعة وزيادة نسبة التوطين.
الخطوة الأبرز والأكثر إثارة في كل ما حدث في أبوظبي، هي تلك التي أعلن عنها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد مؤخرا حول إنشاء "مؤسسة الإمارات"، التي تهدف إلى تعزيز العلاقة بين حكومة أبوظبي والقطاع الخاص في كل ما يتعلق بتطوير التعليم وتوفير موارد مالية ثابتة لمراكز التفوق ومؤسسات التعليم وبحيث تكون هذه المؤسسة قاعدة تنطلق منها المشاريع المستقبلية بنظام الشراكة بين القطاع العام والخاص. ولا شك أن تنفيذ مثل هذه الخطوة سيساهم في حل مشكلات التعليم وربط مخرجاته بشكل مباشر بسوق العمل، كما أن تركيز سمو الشيخ محمد بن زايد على التعليم أمر يؤكد أن انطلاقة أبوظبي الجديدة تبدأ من النقطة الحقيقية وهي الإنسان الذي يجب أن يحصل على التعليم السليم وبالتالي يمكن أن يشارك بشكل علمي وعملي صحيحين في عملية البناء.
كل ذلك لا يعني أن أبوظبي قد اكتملت مرافقها وقوانينها، بل ما يزال هناك عمل كبير ينتظر القائمين على مشاريع التطوير فيها للوصول إلى ما هو أفضل، وهذا ما تؤكده الدراسة التي أعدتها دائرة البلديات بأبوظبي، والتي طالبت فيها باستكمال العناصر الرئيسية الضرورية التي تفتقدها العاصمة مثل المتحف الطبيعي ومتحف الأحياء المائية والمكتبة العامة والميادين العامة. كما دعت الدراسة إلى استغلال السواحل والجزر بشكل استثماري لتنفيذ مشاريع سياحية وعقارية مع ضرورة ربط الجزر بجسور ومدها بالخدمات الأساسية.
صارت أبوظبي اليوم مركز اهتمام الكثير من المستثمرين بسبب التعديلات التي بدأت تقوم بها في قوانينها وأنظمتها، كما أن هناك أسباباً كثيرة تجعل المستثمر يأتي إليها وإلى دولة الإمارات بشكل عام يضع أمواله فيها وهو مطمئن، والأرقام هي وحدها التي لا يختلف عليها اثنان، وهي تنصف الإمارات وتعطيها الأفضلية بين منافسيها. وعلى سبيل المثال، فقد تصدرت الإمارات مؤشر مجلة "فوربس" للسعادة الوظيفية على مستوى العالم للعام 2005 وأكدت المجلة أن الإمارات تعد الملاذ الضريبي الأفضل من بين دول العالم في استبيان شمل 50 دولة ويقيس المؤشر درجة "السعادة الوظيفية" بناء على الدخل السنوي للفرد والدخل الذي يدخل في جيبه بعد حسم الضرائب.
وحسب مؤشر "مدركات الفساد" الصادر عن هيئة الشفافية الدولية والذي يرصد معدلاته في 146 دولة منها 18 عربية جاء ترتيب الإمارات أولا على الدول العربية وفي المرتبة 29 على مستوى العالم، وهو ما يعطي الإمارات أفضلية على غيرها من ناحية رغبة المستثمر في وضع أمواله فيها، فأي مستثمر يبحث دائما عن الأجواء الصحية للاستثمار، والتي من أول مؤشراتها الشفافية. أما المنتدى الاقتصادي 2005 في دافوس، فقد أكد أن الإمارات إلى جانب قطر والبحرين تقود النمو في المنطقة بسبب بيئاتها الاقتصادية المستقرة وإصلاحاتها المؤسسية.
أما على صعيد السوق المحلي فقد بدا واضحا لكل مراقب مدى