تتزامن المستجدات الإيرانية مع زيادة الضغوط التي تتعرض لها طهران من الجانب الأميركي والأوروبي على حد سواء فيما يتعلق بمشكلة المفاعل النووي. والجدير بالملاحظة أن الرئيس بوش في خطابات "حالة الاتحاد" السنوية، لا زال يصف إيران بأحد محاور الشر. والمقلق في الأمر أن الاتحاد الأوروبي انضم علناً للمطالب الأميركية، وبدأ ممارسة الضغط على طهران، مما يؤذن بتغيير في سياسة أوروبا تجاه طهران. فأوروبا لا تريد تكرار الخطأ الذي ارتكبته بمعارضة سياسة أميركا تجاه العراق أو الوقوف على الحياد، والذي أدى إلى تهميش دورها.
من المؤكد أن هذه الضغوط التي تشهدها طهران ستشكل هاجساً كبيراً لحكم الملالي في طهران. فالحكم الديني الذي جاء إلى السلطة بعد الإطاحة بالشاه، ما انفك يقدم الوعود تلو الوعود للجماهير الإيرانية وتمنيه بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحد من تفشي الفساد وخفض نسبة البطالة بين الشباب. إلا أن مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية في إيران، تبين فشل سياسة الإصلاح التي يديرها "مجلس حماية النظام" وأعضاؤه المتشددون، بل بدا واضحاً تفشي ظاهرة استغلال السلطة من رجال الدين والمقربين منهم بشكل يدعو للقلق المتزايد، ويُولد إحباطا بين الشباب في إيران الذي لا يرى أملاً في التغيير، ولا في حياة جديدة، خاصة في ظل عودة المتشددين إلى الحكم.
إن الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها طهران قبل وصول الرئيس نجاد، تذكرنا بأحداث العنف، التي وقعت في عام 1999 التي راح ضحيتها العديد من المتظاهرين، وعتمت عليها أجهزة الإعلام الإيرانية. فتكرار هذه الأحداث يؤكد تبرم جيل الشباب من الحكم الديني الذي يثبت مع مرور الوقت أنه لا يصلح لزماننا لأنه غير قادر على تقديم نموذج حيوي يمتلك حلول المشكلات العصرية، التي لا يود التعامل معها، بل يلجأ بدلا من ذلك إلى المتون الدينية القديمة في محاولة لتقديم إجابات ترقيعية لتهدئة وتيرة الاحتجاج إلى حين.
الحكم الديني بطبيعته يتيح قدراً ضئيلاً من الحرية وما يسمى من ممارسات ديمقراطية في أفضل أحواله. والسؤال الكبير الذي ربما نحتاج إلى التفكير في التوصل إلى إجابة عليه هو: إلى أي مدى ينجح الحكم الديني في إدارة الدولة الحديثة؟ وبتفحص حالة إيران: هل سيضعف فشل النموذج الإيراني تيارات الإسلام السياسي في حلمها بتحقيق ونشر نموذج الدولة الإسلامية؟
من الواضح أننا أمام مستجدات جديدة بدأت تفرض نفسها على الواقع، ولا نملك إلا أن نتعامل معها وفقا لرؤية جديدة. فنموذج الدولة الدينية السنية الذي أقامه حكم "طالبان" أثبت فشله التام. فهو لم يستطع التعامل مع العالم المتحضر بل إنه تصادم مع حضارات وثقافات الغير، مما جعل العالم يحشد قواه ضد نموذج الدولة الدينية السنية في أفغانستان.
إن الإخفاقات المتكررة للدولة الدينية في شقيها السني والشيعي تدعونا لإعادة التفكير في جدية النموذج الديني لقيام الدولة الحديثة مهما كانت مرجعتها.
نحن أمام تحديات جديدة، فمن يرون في النموذج الديني، سواء السني أو الشيعي، الحل لمشاكلنا، يستميتون في الدفاع عن نموذجهم، ويقدمون التبريرات حتى لفشله، لأنهم يرون أن فشل النموذج الديني يعني فشلاً للإسلام.
وللتدليل على هذا الهدف الاستراتيجي ما حدث من تلاقي جماعة "القاعدة" ذات التوجهات السنية مع الملالى في إيران الذين يمثلون الاتجاه الشيعي. فبالرغم من حالة العداء التاريخي بين الطرفين إلا أن ما يجمعهما هو حلم الدولة الدينية، تحت أي مسمى إلى حين!.