لم يجانب الكاتب حلمي شعراوي جزءا من الحقيقة حين اعتبر في مقاله الأخير المنشور في "وجهات نظر" يوم الثلاثاء الماضي والمعنون بـ"موريتانيا... والصراعات من خارجها" أن الانقلاب الذي وقع هناك يوم الثالث من أغسطس الجاري، هو حصيلة الصراع الدائر بين قوى خارجية كبرى حول النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية في بلد ذي آفاق بترولية واعدة، ويقع على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي قبالة الولايات المتحدة وفي النطاق الإفريقي لنفوذ السياسة الفرنسية! لكن من المبالغة القول، على غرار ما ذهب إليه الكاتب، أن ذلك الانقلاب هو بمثابة رد فرنسي مباشر على تغلغل الدور الأميركي والأطلسي في موريتانيا، وذلك لاعتبارات أيضا أهمها أن شركات النفط الفرنسية التي أشار الكاتب إلى أن حرمانها من كعكة النفط الموريتاني ربما أثار حفيظة باريس ضد ولد الطايع، وهي شركات ليس لها تقليديا دور مباشر في القرار السياسي الفرنسي كما هو شأن الحالة الأميركية مثلا. وليس من المؤكد أن فرنسا مهيأة للدخول في صراع نفطي مع أميركا التي هيمنت شركاتها على الأنشطة النفطية في دول افريقية كانت ضمن دائرة النفوذ الفرنسي سابقا. وإذا كانت فرنسا قد أظهرت اعتراضا على الدور المتزايد لحلف الأطلسي في الشؤون الدفاعية والأمنية الاستراتيجية الموريتانية، فليس معنى ذلك أنها قررت مواجهته على تلك الساحة بإطاحة نظام حليف لواشنطن، بل المعنى الأساسي هنا أنه لم يعد لفرنسا نفوذ عسكري وأمني في موريتانيا حتى تتمكن من إطاحة نظام أو إبقائه في السلطة! لذلك ظل ولد الطايع في سدة الحكم خلال سنوات طويلة رغم مواسم خلاف حاد في علاقاته مع باريس.
وإذا كان الدور الفرنسي ظهر واضحا غداة انقلاب ديسمبر 1984، والذي جاء بولد الطايع إلى الحكم، فإنه لا يوجد إلى الآن مؤشر واحد على دور فرنسي في الانقلاب، بل من الواضح أن باريس فوجئت بحدوثه وعلقت عليه بتحفظ غير خافٍ!.
سيدي ولد عبد الرحمن- الجزائر