خلال الأيام القلائل الماضية، تناولت بعض التقارير الإعلامية المنشورة في صحف غربية وآسيوية المشكلات التي تتعرّض لها بعض "الخادمات" أثناء عملهن في دولة الإمارات، وتنقل هذه التقارير على لسان بعض الخادمات مشاهد من الممارسات السلبية التي يتعرّضن لها على يد كفلائهن، ما يضطرهن إلى اللجوء إلى الممثليات الدبلوماسية التابعة لدولهن. وتشير هذه التقارير أيضا إلى قائمة طويلة من الممارسات تبدأ من الضرب وتنتهي بعدم دفع الرواتب، كما تنقل عن أحد المسؤولين القنصليين الآسيويين تأكيدات صريحة بشأن زيادة عدد "حالات الاستغلال" التي تستقبلها سفارة بلاده، مبرّرا ذلك بأن هذه الزيادة ناجمة عن تزايد عدد الخادمات وأيضا بسبب زيادة وعيهن بإمكانية اللجوء للقنصلية للشكوى من سوء المعاملة.
وهذه المشكلة القديمة- الجديدة يمكن أن تستمع إليها وتواجهها سواء من خلال تقارير إعلامية من هذا النوع، أو عبر تقارير تصدرها منظمات حقوقية دولية ودول غربية، كما أن قصص المعاناة هذه تبدو للكثيرين متكرّرة في كثير من مناطق العالم الجاذبة للعمالة المهاجرة، ولكن من الضروري القول بأن من غير المنطقي ترك الأمور على حالها في هذا الملف، حيث تتكرّر الأقاويل بين طرف ينكر وينفي ما يثار بشأن قضايا إساءة معاملة الخادمات هذه، وطرف آخر يجد فيه الإعلام فرصة ثمينة لالتقاط خيوط قصص إخبارية تمتلك الكثير من مقومات الإثارة والتشويق الذي يثير اهتمام القرّاء وشغفهم، وهكذا تدور الدائرة وتتحوّل هذه الممارسات إلى "قضية مزمنة" مطروحة على بساط الجدل والنقاش بين الفينة والأخرى من دون حسم.
بالطبع قد يبدو من باب التمنّي أن نتحدث عن ضرورة القضاء نهائيا على هذه الممارسات السلبية، ولكن من المنطقي أن نطالب بمحاصرتها والحدّ منها وإيجاد قنوات وآليات محلية واضحة تبرّئ ذمة الدولة تماما من أي شبهة للصمت على أي ممارسات سلبية ترتكب ضد الخادمات أو غيرهن من شرائح العمالة الأجنبية. فالقصص "المخزية" التي تنسب إلى أفراد قلائل من مواطنينا تنسحب سلبا -ولو بدرجة قليلة- على صورة الدولة النمطية في الخارج، وتسيء بالتبعية إلى ثوب أبيض من السمعة الحسنة التي نسجتها قياداتنا عبر سنوات من العمل الدبلوماسي النشط والسياسة الخارجية الهادئة، التي تحظى بتقدير واحترام عالميين.
صحيح أن معظم أصحاب الشكاوى من سوء المعاملة كنّ يحلمن بالعيش بين ظهرانينا والعمل في بلادنا، ولكن يجب أن نعترف بأن هذا "الحلم" لا تقابله بالضرورة "فاتورة" معاناة تنتظر بعضهن، ويجب أيضا أن نعترف بأننا من فتح الأبواب سواء عبر تكريس أنماط معيشية معيّنة، أو عبر تسهيلات مكاتب العمالة "سابقا" الخدم "حاليا"(!)، التي تتفنّن بشتى الطرق في وسائل إغراء العائلات لجلب الخادمات، فضلا عن غياب القيود الصارمة في منح تأشيرات الزيارة التي تجلب -كما يقال-"العاطل والباطل" تحت شعار السياحة، والدولة هي من يدفع بالنهاية ثمن هذه الثقوب والثغرات!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية