تتميز المجاعة القاسية التي تضرب النيجر حاليا بالعديد من الخصائص المألوفة والتي تبرز بشكل متكرر في جميع الأزمات المماثلة. فها هي إحدى أفقر الدول في العالم تعاني من أزمة خانقة تهدد بالقضاء على العديد من سكانها في وقت كان فيه ممكنا التنبؤ بالكارثة ومنع حدوثها. لكن أمام تجاهل دول العالم ارتفعت تكلفة التدخل الإنساني على نحو كبير، فحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة قفزت التكلفة التي كانت في البداية في حدود دولار واحد للطفل إلى 80 دولاراً. ونتيجة لفشل الدول الغنية في التدخل السريع وتقديم المساعدات في الوقت المناسب فقد قضى العديد من الأشخاص ومازال عدد الموتى مرشحا للارتفاع أكثر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. ومنذ أن شرعت وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة المطالبة بتقديم الدعم المالي والغذائي اللازم لتفادي الكارثة الإنسانية، إلا أن الحكومات لم تبدأ في الاستجابة الجدية لتلك النداءات إلا في الأسابيع القليلة الماضية.
غير أن الأمر لم يكن ليظهر بهذا السوء في تقديم المساعدات العاجلة لهؤلاء الآلاف الذين يعانون المجاعة في النيجر والمساهمة في إنقاذ حياة العديد منهم لولا ما يعانيه برنامج المساعدات الغذائية الأميركي من قصور كبير في تأدية مهامه الموكولة إليه، والتحرك بسرعة بدل الاكتفاء فقط بالتدخل بعد فوات الأوان والسعي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي محاولة مني لاستجلاء أوجه الخلل التي تعتري النظام الأميركي للمساعدات الغذائية قمت أنا وكاثلين ماكيفي، وهي جغرافية من جامعة بيركلي في كاليفورنيا، بإجراء دراسة على ذلك النظام، حيث توصلنا في النهاية إلى وجود مشكلتين أساسيتين تعيقان فعالية البرنامج وتنزعان عنه أهدافه الإنسانية.
تتمثل المشكلة الأولى في كون جميع المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة إلى باقي دول العالم هي عبارة عن مواد غذائية يتم إنتاجها في أميركا. فالحكومة تقوم بشراء كافة حاجياتها من المساعدات الغذائية من التجار الأميركيين، كما تعهد الحكومة بعملية تغليف تلك المواد ووضعها في أكياس إلى شركات أميركية. وقد أدى انتهاج هذا الأسلوب في تقديم المساعدات الذي يعتمد على العديد من الوسطاء إلى الرفع من تكلفة المواد الغذائية بما يفوق الأسعار المتواجد في السوق. لذا فقد أصبح واضحا عدم فاعلية هذا الأسلوب الذي يعتمد على الشركات الأميركية في جمع المساعدات الغذائية وشحنها إلى الأماكن المنكوبة في العالم، خصوصا ما تتطلبه هذه العملية المعقدة والطويلة من وقت طويل يساهم في تأخر وصول المعونات الغذائية إلى وجهتها المقصودة. والجدير بالذكر أن المقاربة الأميركية في تقديم الدعم تختلف تماما عن المقاربة الأوروبية في هذا الشأن، حيث يفضل الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدات مالية بدل المساعدات الغذائية. وفي هذا الصدد تقوم الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة كبرنامج التغذية العالمي بشراء ما تحتاج إليه من مواد غذائية من المزارعين في الدول المجاورة للمناطق المنكوبة والذين غالبا ما يكونون أنفسهم من الفقراء المحتاجين لبيع منتجاتهم الزراعية. وبعد عملية الشراء تلك يتم شحن الغذاء مباشرة إلى الدول المتضررة دون إبطاء. وبالرغم من أن الرئيس بوش حاول الاستفادة من النهج الأوروبي في مساعدة الدول الفقيرة بطرحه هذه السنة مقترحاً على الكونجرس يقضي بتخصيص مبالغ إضافية تقدر بـ 300 مليون دولار من أجل شراء مواد غذائية من مصادر محلية أو إقليمية مجاورة للدول المتضررة، إلا أن الكونجرس رفض الاقتراح.
وتتمثل المشكلة الثانية، التي تؤثر سلبا على برنامج المساعدات الغذائية الأميركية وتجعله منقوص الفائدة، في إقدام الولايات المتحدة على بيع مساعداتها الغذائية تلك. ولعل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تقومان ببيع مساعداتهما، رغم أن ذلك يتم بأقل من الأسعار التجارية. وفي حالة عدم قيام الحكومة الأميركية ببيع الغذاء مباشرة فإنها تعهد بذلك إلى أحد الوسطاء الذي يتولى عملية البيع. بالإضافة إلى ذلك تتلقى بعض المنظمات الأميركية الخاصة الناشطة في مجال المساعدات الإنسانية الغذاء المخصص لبعض المناطق المتضررة ثم تبيعه لحسابها من أجل جمع الأموال وتخصيصها لبرامج أخرى تشرف عليها ليست بالضرورة ذات علاقة بالغذاء. والنتيجة النهائية لهذا النوع من البيع المدعوم أميركيا للمواد الغذائية في البلدان التي تعاني من المشاكل خلق نوع من المنافسة غير العادلة تحطم المزارعين المحليين الذي يسعون بشق الأنفس من أجل تسويق منتجاتهم الزراعية. لذا ففي الوقت الذي يسهم فيه برنامج المساعدات الغذائية الأميركية في تقديم بعض الدعم النسبي إلى الفقراء الذين يحتاجون إلى الغذاء، إلا أنه في نفس الوقت يخلق مشاكل أخرى ليس أقلها منافسة المنتجات الغذائية المحلية.
ومع كل هذا القصور الذي يميز البرنامج الأميركي خصوصا في مجال التوزيع الفعال والسريع للمواد الغذائية دون اللجوء إلى وسطاء أميركيين، وفشله في تشجيع إنتاج الغذا