لو سألت الأميركيين عن قواعد السلوك فإنهم سيقولون لك إنهم يؤمنون بالسلوك الشريف والصادق والمباشر الذي لا يتنافى مع المبادئ الأخلاقية. وإذا كان الأمر كذلك فهل يتعين إخبار المجندين الجدد في القوات المسلحة الأميركية الحقيقة الكاملة عن الأخطار المحتملة التي ستواجههم إن وافقوا على الالتحاق بالجيش وارتداء البزة العسكرية؟
لحد الآن ليس هذا ما يحدث حيث ما فتئ مسؤولو التجنيد في الجيش الأميركي يبحثون بنهم عن أجساد طرية لشحنها مباشرة إلى العراق. لذا تراهم حاليا يجوبون البلاد طولا وعرضا باحثين أمام المدارس الثانوية والأحياء السكنية عن أهدافهم المحتملة بين الشباب واليافعين. وأثناء ذلك يقومون بعرض ملصقاتهم التي تتحدث عن كل شيء في الجيش ما عدا احتمال التعرض للإعاقة أو القتل خلال القتال. وليس الأمر سهلا على مسؤولي التجنيد الذين يتعرضون لضغوط كبيرة من قبل رؤسائهم في الجيش ويطالبون بتجنيد المزيد من الشباب وحثهم على الانضمام إلى القوات المسلحة، خصوصا بعد الانخفاض الشديد في أعدادهم وتصاعد أوار حرب كان من المفروض ألا تكون أكثر من نزهة مسلية.
ويلجأ مسؤولو التجنيد إلى استخدام مختلف الأساليب لاستقطاب اليافعين الذين يشكلون الهدف الرئيس لحملاتهم، حيث يتم إغراؤهم من جهة وحجب الأخطار الحقيقية عنهم من جهة أخرى. فإذا كانوا بحاجة إلى المال لاستكمال دراستهم الجامعية، يوفر لهم المال. وإذا كانوا يودون الذهاب إلى مكان جميل، فها هي جزيرة هاواي الرائعة تنتظرهم. ويحكي أحد الشباب أنه تلقى مؤخرا عبر البريد مجموعة من المنشورات من الجيش تفصل بزهو الامتيازات التي تمنحها الخدمة في القوات المسلحة كالحصول على عطلة 30 يوما مدفوعة الأجر، والتمتع بالرعاية الطبية المجانية بما فيها خدمات طب الأسنان، فضلا عما يمنحه الجيش من امتيازات التقاعد المريح والاستفادة من برنامج قروض السكن. وفي خضم كل تلك الامتيازات التي يجاهد الجيش الأميركي في تفصيلها للمجندين المحتملين، لم يأتِ ذكر ولو مرة واحدة للمعارك والقتال. كما لم تذكر المنشورات تلك المشاعر التي تخالجك وأنت تزور عنابر المركز الطبي العسكري "وولتر ريد" في واشنطن حيث تتلقاك مناظر مأساوية في ردهات المركز لرجال ونساء يحاولون الحركة رغم الإعاقة أو فقدانهم لأحد أطرافهم.
وأرجو ألا يفهم من ذلك أنني ضد الجيش، فقد أمضيت سنتين من حياتي بين صفوفه. وقد تعرفت شخصيا على العديد من الأشخاص الذين أفنوا زهرة حياتهم في خدمته، كما تعرفت على الكثير من الرجال والنساء الذين ضحوا بالغالي والنفيس أثناء القتال. وأعتقد أنه بسبب هذه التضحيات الجسام التي ربما تنتظر العديد من المجندين الجدد يتعين علينا أن نكون صرحاء معهم والكف عن تقديم تلك الصورة الحالمة عن الحياة العسكرية التي غالبا ما تكون بعيدة عما هو موجود في الواقع. وفي نفس السياق ظهر في ديسمبر الماضي أحد مسؤولي التجنيد في برنامج تلفزيوني يقول فيه "لقد التحقت بالجيش لأني كنت أبحث عن المغامرة. وقد نلت ذلك حيث زرت العديد من البلدان كاليونان وأيرلندا وإيطاليا ثم مصر ورأيت الأهرامات، بالإضافة إلى أشياء أخرى ممتعة".
ويفتخر الجيش بإحداثه لعبة فيديو على الإنترنيت تعتبر إحدى أفضل خمس ألعاب، والغريب أنها موجهة لصغار السن الذين قد يكونون في سن 13 سنة وربما لذلك تشهد إقبالا كبيرا عليها بلغ خمسة ملايين مشارك. بيد أن الحرب ليست لعبة. أن تنفجر قنبلة في وجهك ليس أمرا ممتعا. فاللعب والمتعة ليسا من مهام الجيش، بل من مهامه أن يحارب أعداء الولايات المتحدة ويقتلهم، وهي تجربة بالغة القسوة والوحشية لمن لا يعرف ذلك. لذا يتعين إخبار المجندين المحتملين بتجربة الحرب الحقيقية والأخطار التي تنتظرهم في ساحات المعارك، كما يتعين على المسؤولين إخبارهم لماذا يعتقدون أنه أمر جيد بالنسبة لهؤلاء الشباب أن يقبلوا عن طيب خاطر خوض تجربة الحرب. وإذا ما نتج عن تلك الصراحة الضرورية، والتي تحتمها القواعد الأخلاقية، انضمام عدد قليل من الأشخاص إلى الجيش، فإنه لا مفر من سلوك خيارين لا ثالث لهما: إما التوقف عن خوض الحروب غير الضرورية، أو تشريع قانون الخدمة العسكرية الإجبارية.
غير أن الجيش ومسؤولي التجنيد المجهدين والمستائين لا يكفون عن استغلال صغار السن من الشباب والسعي لاستقطابهم بشتى الوسائل، خصوصا الذين ينبهرون بسهولة أمام المغريات التي يقدمها الجيش ويسقطون في الشرك. هذا ويقود مسؤولو التجنيد في الجيش الأميركي حملات مكثفة للتجنيد في أوساط الشباب الذين ينتمون إلى بلدات صغيرة، أو إلى مناطق ريفية، كما يستهدفون الفقراء والمهمشين في بعض الأحياء الفقيرة. ويستغل الجيش ومسؤولو التجنيد حالة الفقر التي يعيشها العديد من الشباب وافتقادهم لأية آفاق مستقبلية واعدة من أجل توجيه خطابهم الواهم الذي يقوم على صورة زائفة تبرز الامتيازات المادية وتخفي الوجه القبيح للحرب. وفي خضم السعي المحموم لاستقطاب أكبر عدد من الشباب، كثيرا ما ينسى مسؤولو التجنيد إخبارهم أنهم