لم يكن مصطلح الإرهاب قبل نشأة النظام العالمي الجديد مع العِقد الأخير من القرن العشرين، قد امتلك ما سيمتلِكه بعد هذه النشأة من شحنات عاطفية ودلالات سوسيوثقافية وسياسية محددة ومتنامية. وهذا، بدوره، يشير إلى أن لفظةً ما حين تتحول إلى "مصطلح"، تكون قد استجابت لواقع الحال السائد في المجتمع وفي اللحظة التاريخية المعنيّة فيه. فالمصطلحات إن هي إلا كيانات حية متغيرة تغيُّر الأحداث والأوضاع والدلالات. وهنالك من الأمثلة في الحقول المختلفة ما يدلل على ذلك، ومن المناسب أن نتناول اثنين من هذه الأمثلة يمتلكان من الحضور في العالم ما يؤهلهما لأن يكونا نموذجين، وهما المرأة والإنسان المسلم.
فظهور السوق الاستهلاكية الراهنة يداً بيد مع ظهور السوق العولمية الجهنمية منذ أقل من عِقدين، ألهب الحياة الاجتماعية العامة في وجه الناس جميعاً، ورفع مطلب "الاستهلاك" إلى مستوى "الوجود الإنساني". ومن ثم، فإن درجة من التطابق والتّماهي بين الطرفين تفرض نفسها على الجميع، إلا مَنْ لا يمتلك القدرة على الدخول في"استحقاقات" هذا الاستهلاك المفتوح. وقد أخذ ذلك ينعكس على وجود المرأة، بكيفية خاصة، فالإشهار التجاري الذي يملأ الحياة الراهنة ضجيجاً وحضوراً فاقعاً، تتصدره "المرأة".
إن تلك الوضعية، التي يُراد لها أن تصبح سيدة "عالم النساء" في الكون برمته وعبر الإشهار التجاري "المحلي والعابر للقارات"، هي التي تقوم بالتأسيس لنمط أكثر وحشية وفظاعة لـ"الإرهاب" الموجّه لـ"المرأة" استهلاكياً.
ها هنا، نكون وجهاً لوجه أمام الحقل الثاني للإرهاب، إنه الإرهاب الموجه إلى "الإنسان المسلم". لقد تحدثنا عن "الإنسان المسلم" وليس عن "الإسلام"، وإن كان الخطاب الغربي المضاد للعرب والمسلمين الآن يلح على الأخير، الإسلام. ووفقاً لهذا الخطاب، يتعيّن على ردود الفعل المتكوّنة أن تسلك المسلك الأيديولوجي نفسه، فيردّ على "الإرهاب الإسلامي" بـ"إرهاب مسيحي". فمن طرف، يظهر التزوير بوضع الغرب المعني مقابِلاً لـ"الإسلام" بعمومه، وليس مقابلاً لـ"الإنسان المسلم" بعجره وبجره. ومن طرف آخر، يراهن ذلك الغرب على أن يأتي رد الفعل عليه من موقع أولئك بوصفه مضاداً للمسيحية. إذ حينذاك تكتمل اللوحة بوصفها ساحة صراع بين دينين اثنين، الإسلام والمسيحية، وتُغيَّب -على هذه الطريق- المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستراتيجية، ما قد يقود -في حقل يُراد له أن يكون مشحوناً بالعواطف الدينية والمذهبية الملتهبة والصمّاء- إلى إعادة إنتاج "مصطلحات قديمة" لصالح عملية التغييب تلك، مثل مصطلح "الحروب الصليبية".
نريد من ذلك، الإشارة إلى أن الخطاب الغربي المذكور هذا يسعى إلى تلفيق تعارضات أيديولوجية ومنطقية بين حدود وأفكار معينة، ليصل إلى إنتاج مصطلح لـ"الإرهاب" يخلط بين الكلي والجزئي على أساس تحميل الكلّي جريرة الجزئي. ذلك هو ما يمثل في المرحلة الراهنة من الذهنية العقلية والمنطقية للخطاب الغربي المهيمن حيال العرب والمسلمين.
تلك أفكار وردت في سياق ندوة فكرية عقدت في يومي الثالث عشر والرابع عشر من هذا الشهر الجاري أغسطس، في مدينة أصيلة المغربية: أن يُطلق عربي مسلم عبوة ناسفة على مكان في لندن أو نيويورك، يعني إدانة العرب والمسلمين، لكن أن يطلق بريطاني مسيحي مثل تلك العبوة على مكان في القاهرة أو بغداد، لا يعني إدانة إلا للفاعل المعني ذاته. إن خلطاً بين الكلي-العمومي والجزئي-الخصوصي يؤسس، هنا، لخطَل منطقي ولضغينة أيديولوجية. وكما هو واضح، فإن ارتكاب مثل ذلك الخلط يمثل قَسْمة من قسمات الفكر الغربي المهيمن خصوصاً، ناهيك عن أنه يقع وراء المواقف الأيديولوجية التي تطلقها المؤسسات الثقافية، التي تتحرك في إطار القرار السياسي الأميركي أو البريطاني أو غيرهما. وإذا دققنا في المسألة أكثر، يمكن القول إن نمطاً جديداً من "وعي القطيع" يُراد له أن يزدهر في تلك المؤسسات كي يُسوّق هناك، وأكثر هنا في العالم العربي والإسلامي.