في الركن الشمالي الشرقي من أراضيها، وعلى مسافة من الجزر المتنازع عليها مع اليابان، تقوم الصين حاليا بتمرين عسكري مشترك هو الأول من نوعه مع روسيا. ويستغرق هذا التمرين أسبوعا( 18-25 أغسطس) وأُطلق عليه الاسم الكودي "مهمة السلام 2005". ويذكر أن الخطة المتعلقة بإجراء هذا التمرين قد أُعلنت في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، وذلك في أعقاب دخول غواصات نووية صينية للمياه الإقليمية اليابانية قبالة سلسلة جزر "أوكيناوا" في شهر نوفمبر. وحسب وكالة "زينهوا" الصينية الرسمية للأنباء، فإن هذا التمرين العسكري "سيساعد على تعزيز القدرات المشتركة للقوات المسلحة للبلدين في مواجهة الإرهاب الدولي والتطرف والانفصالية". ويعتقد أن الصين كانت تريد في الأساس إجراء التمرين العسكري في منطقة أقرب إلى تايوان، ولكن موسكو رأت أن ذلك سيكون أمراً "مستفزا للغاية" مما أدى إلى تغير الموقع إلى شبه جزيرة "جياودونج" الواقعة في مقاطعة "شاندونج" المطلة على البحر الأصفر.
بادئ ذي بدء، أجد لزاما عليَّ أن أشير في هذا السياق إلى أن التمارين العسكرية بين الدول غير الحليفة قد أصبحت عرفا سائدا في العلاقات الدولية. ولكن التمرين الحالي بين روسيا والصين يحمل دلالة خاصة تنبع من طبيعته في الأساس.. وليس المقصود هنا طبيعته التي جرى الإعلان عنها وهي أنه تمرين على إجراءات مواجهة الإرهاب، وإنما طبيعته المسكوت عنها، والتي تقول لنا شيئا مختلفا تماما.
فهذا التمرين يتم بمشاركة 10 آلاف جندي من الجانبين منهم 1800 جندي من الجانب الروسي، كما تشارك فيه أيضا 140 سفينة بحرية وغواصة من مختلف الأنواع. ويتمحور التمرين حول العمليات البحرية، وهو ما يشير بدوره إلى أن الغرض الأساسي له هو التدرب على الاستيلاء، أو إعادة الاستيلاء على الجزر. وفي الحقيقة أن ذلك قد أثار الكثير من الاستغراب في مختلف أنحاء العالم. فاهتمام الصين بالعمليات البحرية معروف جيدا لأسباب ليس أقلها موضوع تايوان، ونزاعاتها مع اليابان حول جزيرة "سنكاو" وغيرها من الجزر ولكن ما سبب الاهتمام الروسي؟
لمعرفة سبب الاهتمام الروسي بهذا النوع من التمارين البحرية يجب أن نلقي نظرة على طبيعة القوات والأسلحة الروسية المشاركة في التمرين.
تضم القوات الروسية المشاركة في التمرين القاذفات الاستراتيجية من طراز" بير تي يو 95 إس " والقاذفات "باك فاير تي يو- 22 إم 3" الأسرع من الصوت والقادرة على إطلاق صواريخ كروز نووية أو تقليدية من على مدى يمكن أن يصل إلى 3000 كيلو متر. كما أن نائب قائد القوات البرية الروسية قد صرح الأسبوع الماضي بأن طائرات "تي يو 22 إم" المشاركة في التمرين ستقوم بإجراء تجربة على إطلاق صواريخ على أهداف أرضية. وتشارك في التمرين أيضا طائرات روسية مقاتلة متعددة الأدوار من طراز" إس يو- 27 إس إم"، وطائرات نقل جوي استراتيجية من طراز "آي إل – 76" إلى جانب أسطول بحري ضخم من السفن الحربية الروسية والصينية يضم غواصات نووية.
ومثل هذه القوات الهائلة ستقوم دون شك باختبار وتدريب الدفاعات الجوية الصينية ومنظوماتها الخاصة بالقيادة والسيطرة، والتي جرى تشكيلها وفقا للأهداف الصينية الواردة في "الورقة البيضاء للدفاع" التي تسعى إلى" تحويل شكل القوات المسلحة الصينية من قوات كثيفة العدد إلى قوات كثيفة التكنولوجيا هدفها كسب الحروب المحلية في ظل ظروف الثورة المعلوماتية". يمكننا إذن أن نقول إن القوات العسكرية المشاركة في التمرين (من الجانبين) ليست قوات يتوقع استخدامها ضد الإرهابيين أو للاضطلاع بعمليات لحفظ السلام.
ولقد كان طبيعيا أن يقوم البعض بطرح أسئلة عن السبب الذي حدا بالصين وروسيا إلى الادعاء بأن مثل هذه القوة العسكرية الاستراتيجية الحديثة المشاركة في التمرين هي قوة مخصصة لمحاربة الإرهاب وللقيام بعمليات حفظ السلام.
هناك مدرسة فكرية تنحو للاعتقاد بأن روسيا تهدف من خلال مشاركتها في هذا التمرين إلى أن تعرض على الصين منظوماتها الأكثر تطورا من الأسلحة الاستراتيجية وغيرها من أنواع الأسلحة، بهدف زيادة مبيعات السلاح إليها.
وفي الحقيقة أن هذا النمط من التفكير لا يحمل في طياته تفسيرا موضوعيا للأمر، لأن التعاون المكثف في مجال التكنولوجيا العسكرية، وإمدادات الأسلحة من قبل روسيا، شكلت جميعها العنصر الجوهري في عملية التحديث العسكري الصيني الجذري، الذي انطلق في بواكير التسعينيات من العقد الماضي. فالصين اليوم هي المستورد الرئيسي للأسلحة الروسية، حيث استوردت على مدار السنوات الخمس المنصرمة أسلحة تبلغ قيمتها بليوني دولار سنويا، كما حصلت منها على طائرات من طراز " إس يو-27/30" المقاتلة المتعددة الأدوار التي تقوم حاليا بإنتاجها في مصانعها برخصة من روسيا.
التمرين العسكري الصيني الروسي الأخير يبدو في رأينا تمرينا ذا مغزى سياسي يتجاوز بكثير مغزاه العسكري، يسعى إلى تحقيق مجموعة أهداف سياسية استراتيجية على رأسها عرض القوة العسكرية لروسيا والصين كمعادل موضوعي للقوة العسكرية ا