تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الدعم الشعبي للرئيس جورج بوش قد تقلص بدرجة كبيرة حيث لا تزيد نسبة الموافقة على سياساته حاليا على 44 في المئة. ويشير المحللون إلى أن تلك النسبة تقل عن نسبة الرئيسين السابقين اللذين تولى كل منهما الحكم لفترتين وهما دونالد ريجان وبيل كلينتون في نفس النقطة الزمنية من ولايتهما الثانية. ومن ضمن الأسباب الرئيسية لتدني نسبة الموافقة على سياسات الرئيس موضوع العراق. فما يزيد على نصف عدد الشعب الأميركي يرى الآن أن الأمور تمضي على نحو سيئ في العراق، وأن حرب العراق قد جعلت الولايات المتحدة أقل أماناً وأنه كان من الخطأ أن تقوم الإدارة بإرسال الجنود إلى هناك في المقام الأول.. وهي كلها آراء ترفضها إدارة بوش رفضا باتا.
ويلاحظ أن المحللين السياسيين الأميركيين يحبون أرقام استطلاعات الرأي لأنهم يعتقدون أن تلك الأرقام تعطيهم معلومات موثوق بها، كما أنها تعبر عن اتجاهات معينة. أما بوش ومستشاروه فيشعرون بالقلق من تلك الأرقام لأنها تعبر عن آراء الملايين من الأميركيين.
ولكن الرئيس بوش تحديداً يشعر بقلق من شخص واحد في الوقت الراهن هو السيدة "سيندي شيهان". ويرجع قلق الرئيس تجاه تلك المرأة إلى أنها تعتبر رمزا لتغيير محدد في التفكير الأميركي، قد يتسبب في متاعب كبيرة لسياسته في العراق.
فابن السيدة شيهان هو "كيسي شيهان" وكان جندياً بالجيش الأميركي في العراق ولقي مصرعه هناك في شهر إبريل الماضي. ففي ذلك الوقت كانت السيدة شيهان تعتقد أن ذهاب ابنها إلى العراق له ما يبرره، وأنه يعد إسهاما مهما في تحقيق أمن أميركا ومصالحها القومية. وعندما لقي ابنها مصرعه شعرت بالحزن ولكنها كانت مقتنعة في ذلك الوقت بأن الرئيس بوش كان على صواب في رأيه القائل إن جميع الأميركيين الذين ماتوا في العراق قد فعلوا ذلك من أجل قضية نبيلة، وإنهم كانوا يقاتلون من أجل أميركا وحريتها. وبعد وفاة كيسي شيهان بشهرين التقت والدته، ومعها بعض عائلات العسكريين الأميركيين الذين لقوا مصرعهم في العراق مع الرئيس بوش في لقاء قصير أعرب لهم خلاله عن حزنه وتعاطفه معهم في مصابهم الأليم. في ذلك الوقت لم تقل السيدة شيهان شيئا عن الحرب في العراق علنا. كان هناك بعض المنتقدين للحرب في ذلك الوقت، ولكن لم يكن أي منهم قد فقد أحدا من أفراد عائلته في ذلك البلد. كما لم يكن بمقدور آباء وأمهات الجنود الذين ماتوا في العراق، أن يفكروا ولو للحظة واحدة في أن أبناءهم قد لقوا مصرعهم في العراق عبثا.
ليس هذا فحسب بل إن أحدا من خصوم بوش لم يذهب إلى حد القول إن الجنود الأميركيين الذين ماتوا في العراق قد ماتوا عبثا. كان الرأي العام يؤيد بشكل هائل ذهاب الجنود الأميركيين للقتال في العراق، ويعجب لرغبة هؤلاء الجنود في المخاطرة بحياتهم، وبالتالي لم يكن هناك من هو على استعداد لإظهار أي نوع من عدم الاحترام لشجاعتهم. لقد ركز منتقدو الحرب في ذلك الوقت اهتمامهم على موضوعات معينة، منها أن بوش لم يرسل العدد الكافي من الجنود اللازم لحفظ الأمن عقب سقوط النظام السابق، أو أنه لم يرسل كميات كافية من الدروع الواقية للجسم لجنوده وغير ذلك من الموضوعات.
كانت هذه هي طريقة التفكير الأميركية بشكل عام في ذلك الوقت.. أما الآن فإن هناك تغييرا قادته السيدة شيهان - جزئيا على الأقل- حدث في طريقة التفكير الأميركية تجاه ما يجري في العراق. فعندما قرأت تلك السيدة تقارير تفيد أن صدام لم يكن يمتلك أسلحة للدمار الشامل، فإنها تأكدت من أنها قد تعرضت للتضليل من قبل الرئيس وأنه يجب عليها لذلك أن تعبر عن معارضتها للحرب نفسها بصورة علنية. كان أول ما قالته إن" تلك التقارير تثبت أن كل سبب قدمه لنا جورج بوش كي يبرر إقدامه على شن تلك الحرب كان خاطئا... وأنها تثبت أيضا أن ابني قد مات دون مبرر حقيقي". وقالت إنها تعرضت إلى صدمة نفسية مدمرة عندما أدركت أن السبب المفترض لشن تلك الحرب والذي من أجله فقد ابنها حياته وهو إيقاف العراق عن إنتاج أسلحة الدمار الشامل لم يكن حقيقا وأنها قررت عندما أدركت ذلك أن تحتج على تلك الحرب بصوت عال.
ولم تتوقف السيدة شيهان عند مجرد الاحتجاج بل قررت تأسيس مؤسسة خاصة تضم أفراداً من العائلات ممن فقدوا قريبا لهم في العراق، وتدعو للانسحاب الفوري للقوات الأميركية من العراق. لكن الرئيس بوش لم يوافق على ذلك، وقال إن الانسحاب الآن لن يساعد الشعب العراقي على تحقيق الأمن والاستقرار والديمقراطية. وقال بوش أيضا إنه لن يسحب قواته إلا بعد أن يصبح العراقيون أكثر قدرة على تحقيق الأمن لأنفسهم، وتصبح الديمقراطية هناك أكثر رسوخا. وقد استطاع الكثير من الأميركيين فهم هذا المنطق، ووافقوا على عدم القيام بانسحاب سريع، مع قيامهم في نفس الوقت بالتعبير عن رضاهم عن استمرار العنف في العراق. أما السيدة شيهان فإنها ذهبت إلى مزرعة الرئيس في كراوفورد حيث كان الرئيس يقضي إجازة كي تراه وتقنعه بالانسحاب فورا. ولكن الذي حدث أن الرئيس بوش رفض الالت