يمر العراق بمفترق طرق..والعالم العربي، مثله أيضاً، يواجه هو الآخر مفترق طرق..والعلاقة بين الحالتين ليست متوازية، بمعنى أن ثمة تشابكاً وترابطاً واتصالاً وثيقاً بين ما يحدث في العراق وبين ما يشهده العالم العربي. وقوانين التاريخ تؤكد أن عراقاً قوياً مستقراً وآمناً يعني عالماً عربياً أكثر قوة وأمناً واستقراراً. والعكس صحيح.
وعلى مدى عقود طويلة ظل العراق يؤثر في مجريات الأحداث في العالم العربي بصورة واضحة لا لبس فيها، بل إنه قد يجوز تسمية الفترة منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن بالحقبة العراقية في تاريخ المنطقة. لماذا ؟! ..
ببساطة·· لأن معظم التغيرات التي شهدها العالم العربي منذ الثمانينات، كانت تداعيات لما يحدث في العراق أو انعكاساً له، سلباً وإيجاباً.
فالمنطقة التي يشغلها العراق بظروفها السياسية والجغرافية وتركيبتها الطائفية والطبيعية، تبدو في الأساس كما لو كانت معملاً أو مختبراً فعلياً للتفاعلات الإقليمية والدولية. فهي مركز ثقل كبير في هذه الناحية من العالم.
معنى الكلام إذاً، أن مستقبل العالم العربي في جزء كبير منه معلق الآن على تطورات الحالة العراقية.. سواء تعلق الأمر بالدستور والخلافات عليه أو فيما يخص الاستقرار الداخلي وطبيعة العلاقات الخارجية للدولة الجديدة في العراق وشكل البلاد نفسها·
وإذا كان العراقيون قد لا ينتبهون في غمرة ما يجابهونه لهذه الحقيقة، فإنه يتعين على العرب إدراك جوهر المسألة، حتى لا تتكرر أخطاء، سبق وأوصلت المنطقة إلى ما هي عليه الآن.
صحيح أن ما يجري داخل العراق أمر داخلي بحت، إلا أنه لا يصح على العراق وهو في هذه الحالة ما يصح على باقي الدول التي تعيش ظروفاً طبيعية في المنطقة.
فمن الواضح أن العراقيين بحاجة الى درجة أكبر من التواصل الرسمي العربي. ولو بمجرد النصح والإرشاد.
إن الخلافات بشأن الدستور والفيدرالية وما شابه، فضلاً عن موجات العنف وإراقة الدماء الرهيبة على ضفاف دجلة والفرات، تستدعي حقا حماساً عربياً أكبر للتواصل مع العراقيين على اختلاف انتماءاتهم على الأقل من أجل ضمان بقاء العراق ككيان سياسي وجغرافي كما هو، بشكله التاريخي المعروف.
أما ترك تطورات الأحداث لعوامل التعرية السياسية كي تفعل مفعولها..فسوف يفضي ذلك الى نتائج غير مضمونة على الإطلاق بما يعني امتداد أجل الحقبة العراقية لأمد غير معروف· فهل يتحمل أحد نتيجة هذه المغامرة؟.