استطاعت قوى الإرهاب في العالم أن تجعل حركة المجتمع الدولي محكومة بممارساتها وخططها ومؤامراتها· وهو ما يعد أحد أكبر الخسائر التي مني بها العالم بسبب تلك الظاهرة الشريرة.
لقد بلغت الحضارة الإنسانية مرحلة من النضوج والازدهار غير مسبوقة على امتداد التاريخ البشري· وكانت كل الظروف مهيأة ليعيش العالم عهدا موعودا من السلام والوئام والرخاء·
فعلى المستوى السياسي.. سنجد أنه بعد حربين عالميتين كبيرتين في النصف الأول من القرن العشرين ثم مجموعة من الحروب الصغيرة على مدى النصف الثاني منه في بعض بؤر التوتر والاضطراب، كادت الخريطة السياسية والجغرافية للمجتمع الدولي تستقر وتأخذ بعض الملامح النهائية أو شبه النهائية.
ومع انهيار الاتحاد السوفييتي واختفاء المعسكر الشيوعي وما بدا أنه انتصار نهائي للديمقراطية الغربية ومنظومة القيم الليبرالية، كاد العالم يأخذ طريقه حقا إلى شكله الأخير أو صيغته النهائية الأكثر استقرارا· صحيح أنه لم يكن متوقعا لهذا الشكل أو تلك الصيغة أن تكون مثالية، إلا أنه بالتأكيد كان يتوقع أن تكون أفضل كثيرا من تركيبة وحالة المجتمع الدولي في نفس هذا الوقت منذ مئة عام·· أي مقارنة ببدايات القرن العشرين.
أما من الناحية الاقتصادية·· فقد بلغ العالم مرحلة من النمو والازدهار الاقتصادي بفضل التطور التكنولوجي الهائل غير مسبوقة على الاطلاق، في ظل تدفق هائل وكاسح للبضائع والسلع ورؤوس الأموال والمعلومات بل وحتى البشر .
وكان المتوقع أن يزداد هذا النمو نموا في ضوء اعتبارات وأجواء مواتية تماما لمزيد من الازدهار والتقدم والتطور، مع تحول العالم بالفعل إلى قرية صغيرة تتلاشى فيها الحدود بفضل سرعة الطيران والإنترنت ومختلف سبل الاتصال والتواصل.
علميا أيضا عبر العالم حدا أفقد الخيال خيلاءه، وما كان مستحيلا صار ممكنا، فأخذت حياة البشر منحنى جديدا جعل الجميع يستشرفون آفاقا رحبة تختفي فيها كثير من الأمراض والأوبئة والفقر والمجاعة ويسود فيها العدل والاستقرار والأمن.
لكن فجأة اقتحم الإرهاب بروحه الشريرة، المشهد.. وتحول القتل غدرا إلى طقس عادي يمارسه مجرمون مجانين بلا رادع في مشارق الأرض ومغاربها. وبدلا من أن يواصل العالم إنتاج المزيد من الثقافة والحضارة، ساد القلق على أمن الناس، ففرضت القيود وتقلصت حرية الحركة.
والنتيجة عرقلة حركة التاريخ والتقدم البشري.. لأنه لا يمكن في ظل أجواء الرعب والفزع هذه أن يحيا العالم حياة طبيعية يواصل فيها مسيرته كما كان الحال من قبل· لقد ضيع الإرهاب على المجتمع البشري فرصة تاريخية غير مسبوقة لخوض مرحلة ازدهار وتقدم وتطور ربما لم يكن أحد يحلم بها.