بدأنا المقال السابق بمحاولة البحث عن الجذور كما يقول توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، وتأملنا حال الوطن العربي فور خروج المستعمر منه، وكيف عملت بعض الحكومات العربية دون خطط تنموية واضحة وأدى الأمر إلى تفاقم الفجوة بين الشعب والحكومات، في نفس الفترة تلك حدثت أزمة فلسطين التي كتب عنها الناس كثيرا، لكني قرأت لكاتب أميركي مقالا جميلا حاول تقريب الصورة للشعب الأميركي، جاء في المقال: تصور أن السلطات في إحدى الولايات أمرت الناس بإخلاء مساكنهم بسبب قرب وقوع كارثة طبيعية كالإعصار مثلا، نفذ الناس الأوامر وخرجوا من بيوتهم إلى مساكن مؤقتة أقيمت لهم على عجل خارج نطاق الإعصار في ولاية قريبة، مر الأسبوع وبعده الشهر والناس في تساؤل متى نعود إلى مساكننا، وفجأة جاءهم خبر أن أناساً من ولاية أخرى جاءوا للسكن في بيوتهم، واستثمروا في حقولهم، وبدأوا حياتهم حيث انتهت حياة أصحاب المنازل، كيف ستكون ردة فعل الناس هؤلاء؟ وما هي مشاعرهم تجاه القانون الذي يعطي غيرهم الحق في ممتلكاتهم. هكذا كتب أحد الأميركيين عن واقع القضية الفلسطينية، زاد الوعي لدى العرب ولم تنجح المسرحيات العربية في حل القضية الفلسطينية، مما زاد من حيز الاحتقان العربي حيث تفاعلت القضايا الداخلية مع القضية القومية الفلسطينية وأوجدت جيلا لا يجد متنفسا في داخل وطنه ولا في الخارج ولم يرَ أملا قريبا في حل هذه الأزمة.
في هذه الفترة مرت بالكون الحرب الباردة بين القوتين العظميين في العالم، وتجرأ الاتحاد السوفيتي السابق ودخل جحيم أفغانستان، فما فعل العالم؟ لقد استثمر تلك الهمة في الشباب العربي وتم تجنيدهم للجهاد في أفغانستان وتم دعمهم ماليا وماديا من قبل دولهم وبإشراف مباشر وغير مباشر من الولايات المتحدة والتي فتحت أبوابها للمجاهدين وتم تصويرهم كأبطال نضال دخلوا البيت الأبيض وصلوا في الكونجرس الأميركي، ونجح الجهاد في هزيمة الروس، وخرجوا من أفغانستان كي تنهار فكرة الاتحاد السوفيتي لعوامل كثيرة كانت الحرب الأفغانية أحدها، وتحقق الحلم بإقامة "دولة الإسلام" في الأفغان وتم البحث في الكتب الدينية القديمة عن فتاوى أسقطت ظلما على الواقع المعاش، فظهر أخطر مفهوم للدين الإسلامي ألا وهو رفض الآخر والتمحور على الذات، ودخلت هذه الدولة اللعبة دون سياسة أو بلغة أخرى خرج اللاعبون عن خطة المدرب، فماذا يفعل عندها لقد أشهر البطاقة الحمراء وقرر إخراجهم من دولتهم، كما لخص أحد الأميركان الصورة وأعتذر عن الكلمات، لماذا يربي الإنسان الكلب؟ يكون الجواب كي يحرس ممتلكاته ويلعب مع أبنائه. ماذا تفعل لو تجرأ هذا الكلب على قطع يد أحد أفراد الأسرة؟ يطرد من البيت أو يقتل. هكذا تم تلخيص الدور الجهادي في أفغانستان.
لقد جرب هؤلاء الشباب الجهاد العسكري، ورأوا أنه حقق لهم دولتهم في أفغانستان، فلماذا لا يجرب نفس المفهوم في العالم كله فانتقلت الفكرة من الإسلام هو الحل إلى شعار لا حل إلا بالجهاد، وبدأت المعركة مع دول العالم من شرقه إلى غربه عبر وسائل متعددة يشكك البعض في أنها جاءت تحت إشراف البعض فمهما كانت قوة هؤلاء الشباب ومهما كانت أعدادهم وتنظيمهم بالغ الجودة إلا أنهم مازالوا دون مستوى الدول المتقدمة بأجهزتها المنظمة، السؤال المحرج كان دائما، مصالح من تحققت بعد هذه العمليات الإرهابية؟
إن مدرسة البحث عن الجذور مسألة عقلية لا أدعي أنني بمثل هذا المقال تمكنت منها جميعا لكنني أزعم أن هذه الجذور هي الأهم والتي من المفترض على من يهمه الأمر أن يتداعى إلى نوع من اللقاء يجمع الكل، بمختلف الأطياف بشرط أن يكون العقل هو ما يقود هذا اللقاء بدلا من العاطفة، هذا المؤتمر يبحث في الجذور الفعلية كي نجتث أسباب هذا الأمر بدلا من معالجة ظواهره.