هكذا سينتهي العراق لو قدر لدعوة السيد عبدالعزيز الحكيم –رئيس "الائتلاف العراقي الموحد"- التي أطلقها قبل أيام بإقامة إقليم شيعي في الجنوب أن تتحقق على أرض الواقع، والحق أني تفاجأت بدعوة السيد الحكيم لمعرفتي الشخصية بالرجل وحكمته ونزاهته، ولتكراره في أكثر من مقابلة وأكثر من مناسبة قبل سقوط صدام أنه و"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق، مع عراق موحد وديمقراطي متعايش ومتساوٍ في الحقوق والواجبات بين مواطنيه.
لو حاول العراقيون ترجمة دعوة الحكيم وتطبيقها لدخلوا في حرب أهلية ضروس في محاولات دامية لتحديد الأقاليم، فمن غير الممكن والمعقول، عملياً، تحديد الأقاليم التي ستدخل ضمن حسبة السيد الحكيم على أنها أقاليم شيعية، ومن المستحيل تحديد تلك المحافظات التي ستكون - حسب تصور السيد الحكيم- ضمن الإقليم السني، بغداد العاصمة سوف تكون بؤرة للصراع على مناطق الشيعة مقابل مناطق السنة، لا بل إنها ستدخل في تطهير عرقي لتحديد العربي من الكردي داخلها، والمناطق الكردية أيضا مآلها إلى التطهير الطائفي لأن الأكراد - وإن كانت غالبيتهم من أهل السنة- فمن بينهم عدد كبير من الشيعة، ناهيك عن أن عشائر الجنوب والوسط تتوزع في انتماءاتها الطائفية بين الشيعة والسنة داخل القبيلة أو العشيرة الواحدة.
وخذ على أساس دعوة الحكيم المطالبات الطائفية والقومية والدينية الأخرى، فحسب منطق السيد الحكيم - وخصوصية الشيعة- فإن للمسيحيين العراقيين الذين يفوق عددهم المليون خصوصية "أكثر" من السنة والشيعة على اعتبار أن الطائفتين من دين واحد، بينما يختلف المسيحيون عقيدة وديناً، كما أن للصابئة خصوصيتهم –تماما مثل باقي الطوائف والأديان- ومن ثم فمن المنطقي توقع مطالبتهم بمحافظات تخصهم، وهلمجرا...
ما لم أستطع استيعابه هو الجدل ومحاولة الإقناع من قبل ممثلي "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق بأن الفيدرالية الطائفية تضمن وحدة العراق، فهذا منطق ينافي العقل والفهم، كيف للمطالبة بفيدرالية طائفية أن تضمن وحدة بلد يصعب فيه رسم حدود تواجد أي من طوائف العراق؟ أما القول بأن إقليم كردستان منفصل على أساس عرقي، فذاك مرده أن واقع كردستان ورثه العراق الحالي بعد عقود من العمل المسلح ضد الناظم المركزي ببغداد والمطالبة باستقلال الإقليم. وصحيح أن العراقيين العرب - وبالذات الشيعة منهم- قد ضحوا كثيرا للتخلص من الديكتاتورية، ولكن لم يكن بين أي من طوائف العرب من يدعي خصوصية تؤهله للانفصال - ولو شكلياً- عن باقي العراق، كما أن الأكراد تجمعهم لغة وتاريخ وقومية في منطقة سميت باسمهم على مر التاريخ، وهي كردستان، ولكن لم تسمَّ منطقة في عالمنا العربي كله باسم طائفة معينة، ولم يسجل لنا التاريخ إقليم سنستان أو شيعستان أو حتى مسيحستان أو صابئستان.
إن الدعوة التي أطلقها السيد الحكيم - كانت مفاجأة للكثيرين، لما عرف عن الرجل- وقبله شقيقه شهيد المحراب –محمد باقر الحكيم- رحمه الله من توازن وحكمة وشمولية في الرؤية تجاه العراقيين جميعاً، والخصوصية الطائفية حق لكل طوائف العراق لا يمكن لأحد أن ينازعها فيه، ولكن تقنينها حسب الأقاليم يعني دون أدنى تردد البدء في تقسيم العراق حسب الطوائف والملل والنحل والأديان، وهذا ما يعني موت الحلم العراقي المشروع، المتمثل بعراق ديمقراطي موحد على أساس المساواة بين كافة مواطنيه، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو طائفتهم.
لم يبق وقت كثير لصياغة مسودة الدستور العراقي، فالمهلة انتهت، ومددت أسبوعاً، والتفكير على أساس الطائفة سوف يعني المزيد من التأخير، ولا أريد أن أقول العرقلة وضياع الفرصة التاريخية، ودخول العراق في نفق الحرب الأهلية لا قدر الله.