تجارب بعض الشعوب تشير الى أن هناك أساليب وأشكالا كفاحية مختلفة للحصول على الاستقلال، منها العنيف والسلمي. ويمكن أن تتفاعل هذه الأساليب فيما بينها. والمقاومة الوطنية الذكية والناجحة، هي التي تستطيع اختيار أسلوب كفاحي مناسب وملائم لطبيعة المرحلة الراهنة، وهذه المقاومة يجب أن تكون قادرة على فهم طبيعة وإمكانيات وقدرات من تواجهه في المعركة من أجل التحرير.
واليوم هناك جدل كبير ونقاشات حامية وأسئلة عديدة بين الفلسطينيين أنفسهم وأصدقائهم، حول عملية انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة الفلسطينية بعد احتلال دام ثمانية وثلاثين عاماً، ومن هذه الأسئلة: هل إن عملية الانسحاب هذه تمت بفعل وتأثير الصواريخ المحلية الصنع، صواريخ "القسام"، وكذلك المناوشات المسلحة المحدودة مع القوات الإسرائيلية بين الحين والآخر، أم أنها تمت نتيجة تفاعل العمل المقاوم مع الأسلوب النضالي السلمي والذي مر ويمر عبر المفاوضات ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وباستخدام الطرق السياسية والدبلوماسية؟
إن المشهد ما بين لغة الدم والصواريخ من جهة، ولغة السياسة والمفاوضات من جهة أخرى، فيما يتعلق بقضية عودة غزة إلى أهلها، ليس غامضاً على كثير من الفلسطينيين والمتتبعين للقضية الفلسطينية من العرب والأجانب. تحرير غزة جاء نتيجة النضال الفلسطيني والضغط الشعبي لقطاعات مختلفة من الإسرائيليين على حكومتهم وأصحاب القرار والنفوذ، إضافة إلى دور وفعالية المفاوضات والاتفاقيات بين طرفي الصراع من الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي أدت بالنهاية إلى هذا الإنجاز الوطني الفلسطيني الكبير. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل إن الفلسطينيين الذين لا يؤمنون بالمفاوضات والحلول السلمية سيحررون كل فلسطين فعلا بصواريخهم، أم أن الجمع ما بين الأساليب الكفاحية المختلفة، وتفهم طبيعة المعركة ومعرفة موازين القوى والإمكانيات والتفوق العسكري والاقتصادي والأمني، إضافة إلى دور وتأثير العاملين العربي والدولي في المعادلة الفلسطينية- الإسرائيلية في المرحلة الراهنة، هو الذي أدى إلى ذلك الإنجاز؟ في الحقيقة، إن كل العوامل السابقة مجتمعة هي الكفيلة باختيار الطريق لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس بالصواريخ البدائية والعمليات المسلحة المحدودة والشعارات والخطب الحماسية فقط، ستتحرر الأوطان.
حمزة الشمخي - كاتب عراقي