في إطار التوسعة التاريخية التي شهدها الاتحاد الأوروبي, في مايو من العام الماضي 2004, انضم عدد من بلدان وسط وشرق أوروبا, إلى عضوية الاتحاد. وقد جاءت هذه التوسعة في أجواء المناخ السياسي والاقتصادي, التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي, والإعلان عن نهاية الحرب الباردة, بما يؤشر إلى إسدال الستار على العلاقات الدولية القائمة على نظام الثنائية القطبية التي ميزت تلك الفترة. شملت الدول التي حازت على عضوية الاتحاد الأوروبي, كلاً من جمهوريات البلطيق الثلاث, إلى جانب بولندا والمجر وجمهوريتي التشيك والسلوفاك, إضافة إلى جمهورية سلوفينيا. ومن يقرأ عنوان هذا الكتاب "التحول الأوروبي لدول وسط وشرق أوروبا" لابد أن يثور سؤال بديهي في ذهنه: كيف لدول أوروبية أن تتحول إلى ما هي عليه أصلاً وتاريخاً؟ وما هذا السؤال سوى فخ معرفي في الواقع, لكونه يأخذ بالعوامل التاريخية والجغرافية وحدها, دون الأخذ بمحتوى ووجهة هذا التحول. كيف؟
ليس المقصود بمادة هذا الكتاب, الجانب الجغرافي أو التاريخي المتصل بعلاقة بلدان شرق ووسط أوروبا بالقارة الأوروبية الأم. إنما المقصود هو الكيفية التي تم بها فض الارتباط التاريخي للدول المعنية, بمنظومة المبادئ والقيم والتوجهات السياسية والاقتصادية لدول حلف وارسو أو ما يسمى سابقاً بالمعسكر السوفيتي, ونقلها إلى سياق جديد من المبادئ والقيم والتوجهات السياسية والاقتصادية لدول حلف الناتو, أو قيم العولمة بمفهومها الغربي الرأسمالي. فلكي تتحول دولة ما من دولة اشتراكية –ذات اقتصاد مركزي موجه مملوك للقطاع العام في معظمه- إلى دولة رأسمالية, تأخذ بقيم السوق الحرة ومبادئها, ويتم إلحاقها بالمنظومة الرأسمالية الغربية, فلابد من إحداث انقلاب تام فيها, على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبالنسبة للدول المعنية بالدراسة في الكتاب, فقد بدأت مناقشة هذا التحول اعتباراً من دراسة ومراجعة الشروط الخاصة بعملية وإجراءات الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. كيف تؤثر ديناميات وإجراءات الانضمام هذه, وتتأثر في الوقت ذاته, بالسياسات والقيم الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد؟ وما هي متطلبات وشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها, هو ما تصدى له عدد من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في شؤون الدول المعنية, ممن أسهموا بآرائهم ومقالاتهم في هذا الكتاب. شملت المشاركات أكثر من باحث وكاتب, إلا أن من تولى التحرير النهائي للكتاب اثنان هما فرانك شميلفينج وأولريتش سيدلماير. وبينما يعمل الأول باحثاً أول في "مركز مانهايم للدراسات الاجتماعية الأوروبية" بجامعة "مانهايم" الألمانية, نجد أن ثانيهما يعمل أستاذاً مشاركاً للعلاقات الأوروبية والدراسات الأوروبية بـ"جامعة وسط أوروبا" في العاصمة المجرية بودابست. الجانب الغالب على مادة الكتاب, هو استعداد كل دولة من الدول المذكورة للانضمام للاتحاد الأوروبي, وقدرتها على استيفاء الشروط والمعايير التي تفرضها عضوية الاتحاد. وبما أن طريقة التناول قد انبنت على منهج دراسة الحالة, فإن من الطبيعي أن تشمل مادة الكتاب موضوعات شتى, كلها ذات صلة بمعايير وشروط الانضمام والتحول نحو المبادئ والقيم التي تتبناها أوروبا الغربية. وفي مقدمة هذه المفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق الحرة المفتوح. إلى ذلك شملت المادة أيضاً جوانب أخرى لا تنفصل عن هذه, مثل إصلاح جهاز الدولة والاقتصاد الوطني, إلى جانب عدد آخر من المواضيع المتعلقة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
يتناول الكتاب في مقدمته جانباً نظرياً يحدد مفهوم التحول الأوروبي لدول وسط وشرق أوروبا. وقد جرى تلخيص هذا آنفاً في بداية عرضنا للكتاب. أما الفصل الأول منه, فيتناول تأثير الشروط السياسية التي تفرضها عضوية الاتحاد الأوروبي على الدولة المعينة الراغبة في الانضمام. من ذلك مثلاً يناقش الفصل الثالث من الكتاب نقاشاً تفصيلياً تأثير تبني سياسات عدم التمييز ضد الأقليات, على السياسات السابقة المتبعة في كل من رومانيا والمجر وبولندا. وقد تمت دراسة هذا الجانب على أساس دراسة حالة كل واحدة من الدول المذكورة على حدة, ثم التوصل إلى تعميم نظري عام حول الأوضاع والتأثيرات المحتملة لذلك التبني. هذا وقد جرى تكريس فصل كامل من الكتاب لدراسة "أوربة" مؤسسات وأجهزة الخدمة المدنية في بلدان وسط وشرق أوروبا.
وفي فصل آخر شبيه, تم تسليط الأضواء على الدروس الخارجية المستفادة, في مجال السياسات الإقليمية الخاصة بإصلاح وتأهيل نظام الرعاية الصحية. وبينما تناول فصل من فصول الكتاب سياسات الهجرة وتنقل الأفراد والجماعات بين دول الاتحاد الأوروبي, نجد فصلاً آخر يتناول السياسات البيئية المفترض تبنيها في البلدان المذكورة, بما يتوافق والتزامات الاتحاد الأوروبي في مجال حماية البيئة ودرء خطر التلوث والتغير المناخي. وهناك جانب اقتصادي تناول مفاهيم وآليات الانضمام إلى السوق ا