أسئلة امتحانات الثانوية العامة تتناسب مع قدرات أطفال المدارس الابتدائية. هذا هو المعنى الذي وصل للجميع من هجوم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التربية والتعليم وهو يطالع الأوراق ويراجع صياغة الامتحانات ومستوى الطرح والأفكار فيها في نهاية العام الدراسي المنصرم.
هل ألقى معالي الوزير بحجر ثقيل الوزن في بركة التربية الراكدة؟ وهل كانت وزارة التربية المحاطة بالكثير من التساؤلات بحاجة إلى قنبلة تربوية من هذا العيار؟ وهل أدركت بعض العقليات المتكلسة في وزارة التربية والتعليم أن نهجاً إدارياً وفكراً تربوياً جديداً، ربما يُطيح بالكثير من الخطط التي لم ترَ النور، وأن الرؤية المأسوف على شبابها والمأسوف على ما هدر عليها من مال قد قُبرت إلى غير رجعة، ولكن محاسبة من أهدر قيمتها المادية والمعنوية، ستبقى خياراً مطروحاً أمام معالي الشيخ نهيان، وهو وحده القادر على فتح الملفات وكشف المستور والمسكوت عنه في علاقة وزارة التربية والتعليم بالتربية والتعليم ومستقبل الأبناء ومصير الوطن.
لسنوات ارتفعت حدة الأطروحات التي كانت تؤكد أن مخرجات التعليم بكافة مراحله لا تتناسب وطموحات التعليم الجامعي وأن مستوى خريجي الثانوية العامة لا يمكنهم من الالتحاق بالتعليم الجامعي، نظراً لضعف التكوين وهزالة المنهج المدرسي المعتمد أساساً على فكرة التلقين والحشو.
ومما قيل في هذا الصدد أن شخصية الطالب وهو يضع الخطوة الأولى في قاعة المحاضرات في الجامعة شخصية ضعيفة تفتقد لقدرات الحوار والمناقشة والدفاع عن الرأي، ولا يمتلك الطالب مهارات إجراء البحث العلمي واستخلاص النتائج، فقد تعود على مادة جاهزة مسلوقة كما حبة البطاطا الحلوة يزدردها يوم الامتحان، وينسى المعلومات بعد إعلان النتيجة. وبالنتيجة لا تتراكم لديه خبرات حياتية ومعارف من مصادر مختلفة، بل يظل متشبثا بصدر الكتاب، ينهل منه، ويحفظ حتى علامات الترقيم، ولا يبدع في الامتحان، ولكنه يردد ما كتب وكأنه جهاز تسجيل خرب. لقد لقيت ذهنية التلقين هذه قبولاً وترحيبا من قبل عدد غير قليل من أساتذة الجامعات الذين كان يروق لهم الطالب المستسلم المستلب الذي يحفظ عن ظهر قلب ولا يناقش، ولكن تحديات سوق العمل أكدت أن فكرة الطالب الذي لا يمتلك شخصية تتمتع بالنضج والتحدي والابتكار ليس لها موقع من الإعراب في سوق تنافسية شرسة.
لقد بذل الدكتور علي عبدالعزيز الشرهان جهداً ومحاولات لم يُكتب لها النجاح، وستبقى أسباب فشلها مثل الأحجية التي لا نعرف متى نفك طلاسمها، ومما لا شك فيه أن الرجل قد دخل في حومة صراع حاد محاولاً بكل ما أُوتي من علم ونظرة مستقبلية تخليص المنهج المدرسي من نمطية الطرح واستئثار توجهات وأفكار، كانت تستهدف الإجهاز على جيل بأكمله، لكن معاليه، ووفق واحد من التفسيرات، أخفق في اختيار الأجنحة التي يمكن أن يحلق بها نسره في سماء التغيير، فكانت النتائج مخيبة للآمال، وربما، وإن قُدر للأخ الدكتور الشرهان أن يكتب مذكراته عن هذه الفترة الخصبة من تاريخه الحافل لتمكنت الأجيال من معرفة السبب.
واليوم يقف معالي الشيخ نهيان مستعرضاً التجربة متسلحا بخبرات ومهارات تجعله قادراً على تشخيص مواطن العلة واضعاً نصب الأعين مستقبل طفلة في الروضة، ستكون بعد 15 أو 20 عاما طبيبة أو مهندسة أو عالمة فلك أو فيلسوفة، تُرى هل هناك رؤية جديدة؟ فلتكن رؤية حقيقية تنطلق من دراسة الواقع التربوي، تحدد الاحتياجات، وترصد التحديات، في ظل وطن، تجتاحه جحافل العمالة الوافدة والمستثمرون القادرون على شراء التراب والماء وحتى ماء البحر المالح. وفي ظل توجهات بمشروعية البيع والتحول إلى نظام السوق المفتوح على كل الاتجاهات.
كيف يمكن أن نصنع مواطناً مؤمناً بوطنه لديه إحساس بالولاء والانتماء قادراً على دخول سوق العمل مسلحاً بالعلم والتجربة والشخصية المتزنة، مواطناً لا ينحرف أو ينجرف تحت إغراء المادة، وانكسارات الهمة. تقول الحكمة إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ولكن رحلة إنقاذ التربية والتعليم يمكن أن تبدأ بحلم جميل، وبغضب عارم اجتاح كيان معالي وزير التربية وهو يقرأ أسئلة الثانوية العامة، ليرى قبل أن يقال له إن ما يتعلمه الأبناء يحتاج إلى نسف حقيقي وإن الفكر الذي ينشأ عليه الجيل لا يحقق طموحات وطن يرنو إلى المجد بكل قوة، وطن يستفيد من المنجز الحضاري لإنسان القرن الحادي والعشرين ليصنع لنفسه مكانة تليق به.
إن المناهج ليست وحدها التي بحاجة إلى نسف بل إن فكراً تربوياً جديداً يجب أن يغربل التوجهات ويدرك التحديات فلا سبيل إلى التقدم من دون تربية حقة وعلم نافع وتوجيه صحيح بعد أن تكاثر المربون والموجهون الجدد وأصبحوا بعدد المغنيات والمطربات والراقصات في القنوات الفضائية، وبعدد الأشرطة والأقراص المدمجة لأغاني الفيديو كليب.
يثمن الجميع كثيرا غضبة وحرقة معالي الشيخ نهيان وحرصه على المستقبل ولكن صناعة البشر، وهو أعلم بذلك، أصعب بكثير من تشييد مصنع أو إطلاق قناة فضائية أو الإ