يدخل السعي لاستكشاف الكوكب الأحمر الذي أثار خيال البشرية لأجيال متعاقبة مرحلة جديدة خلال الأسبوع القادم، وذلك عندما يتم إطلاق المسبار الفضائيMars Reconnaissance Orbiter والذي يرمز إليه اختصارا بـMRO والذي سيقوم بمهمة للبحث عن الماء على ظهر الكوكب.
ومنذ أول رحلة ناجحة قامت بها مركبة تابعة لوكالة ناسا الفضائية الأميركية للمريخ منذ ثلاثين عاما، وحتى الرحلة الأخيرة التي قام بها المسبار Mars Express Orbiter التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، لم يتمكن العلماء سوى من كشط القشرة الخارجية لأسرار الكوكب والمتعلقة بالطريقة التي تكون وتطور بها، والمتعلقة أيضا بالسؤال الأكثر استفزازا للخيال العلمي وهو ما إذا كان قد وجد على ظهر الكوكب في الماضي - أو لا تزال توجد فيه حتى الآن- ظروف يمكنها أن تحتضن أشكالا مبسطة من الحياة أم لا.
والآن يحاول علماء الفضاء الولوج إلى قلب الكوكب. وفي هذا السياق يقول "دوجلاس ماك كويستشن" الذي يرأس برنامج وكالة ناسا لاستكشاف الفضاء:"إننا ننتقل من مرحلة الاستكشاف، إلى مرحلة التحقيق المكثف باستخدام مسبار مزود بمجموعة من الأجهزة والمعدات فائقة التطور، والتي لم يسبق أن تم إرسال أجهزة مثلها إلى أي كوكب من الكواكب الأخرى". ويذكر في هذا السياق أن وزن المسبار الجديد يصل إلى 2,5 طن أو أقل قليلا، وأنه يحتوي على جهاز رادار يستطيع كشف أي شيء موجود على بعد ميل تحت سطح المريخ، كما يحمل كاميرات تلسكوبية قادرة على رصد أشياء صغيرة لا يزيد حجمها على حجم طاولة الطعام، ويحمل أيضا جهازا لقياس الطيف Spectrometer فائق الوضوح، ونظام اتصالات يتمتع بالقدرة على إرسال كم من المعلومات إلى الأرض يتضاءل إلى جانبه كم المعلومات التي قامت كل المركبات المدارية السابقة مجتمعة بإرسالها. فالأجهزة السابقة التي كانت ترسل المعلومات بالقطارة إلى الأرض، تخلي طريقها في هذا المسبار لأجهزة أكثر تطورا تقوم بضخ المعلومات ضخا".
وكما قلنا آنفا، فإن مسبار استطلاع المريخ MRO سوف يركز بشكل رئيسي على البحث على الماء على اعتبار أنه يمثل العنصر الأول للحياة، وأنه وسيلة من وسائل تنظيم الحرارة على سطح الكوكب، وعنصرا أساسيا سيتم الاعتماد عليه في إرسال رحلات مأهولة إلى الكوكب الأحمر في المستقبل.
ويذكر أن المركبات السابقة التي كلفت بمهام استكشافية للكوكب الأحمر، قد اكتشفت أن الماء قد حفر حروفه الأولى على كل مكان على ظهر الكوكب، وأنه قد ترك بصمته على المعادن الموجودة فيه. وتشير الأدلة إلى وجود كميات ضخمة من الماء - في صورة جليد، أو في صورة مياه متجمدة في الطبقات السطحية بالقرب من القطبين الشمالي والجنوبي للكوكب وغيرها من مناطق.
واعتبارا من نوفمبر عام 2006 سيقوم المسبار MRO باستخدام معدات علمية متطورة لالتقاط صور مقربة لسطح المريخ، ولتحليل الرواسب المعدنية الموجودة به، والبحث عن مياه تحت سطحه، وعن شواطئ البحار القديمة التي وجدت به، ومعرفة توزيع الرمال والمياه في غلافه الجوي، ومراقبة مناخ الكوكب خلال الفصول المناخية المتعاقبة.
ويمكن للمقياس الطيفي والرادار السطحي الموجدين في المسبار المذكور أن يقدما معلومات أفضل عما هو موجود تحت سطح المريخ، وعما إذا كان الجليد الذي تم اكتشافه على سطحه، هو مجرد طبقة رفيعة لقمة جبل من الجليد، يمكن استخدامه لتوفير مواد الشرب الذي قد يحتاجها رواد الفضاء خلال الرحلات المحتمل القيام بها إلى الكوكب في المستقبل، أم أن الأمر ليس كذلك.
ويقول الدكتور "جيمس هيد"، العالم المتخصص في جيولوجيا الكواكب في جامعة "براون" في مدينة "بروفيدانس" بولاية "رود آيلاند" الأميركية إن مهمة المسبار MRO تفتح أبواب الأمل لتحقيق تقدم حقيقي في طريقة فهمنا للكيفية التي تم تشكيل سطح كوكب المريخ بها.
والرادار الموجود في المسبار لن يستخدم من أجل البحث عن الماء والثلج فقط ولكنه سيقوم إلى جانب ذلك بتوفير صور ثلاثية الأبعاد للبنى الجيولوجية القديمة المطمورة تحت تدفقات الحمم البركانية، أو تحت طبقات المواد التي تخلفت في مناطق الكوكب والتي نتجت عن انفجار النيازك. ويقول العلماء إن فهم كثافة وبنية غلاف المريخ أمر مهم للغاية، وخصوصا فيما يتعلق بإعادة تخيل تركيب ممرات المياه الجوفية التي كان الماء يتدفق عبرها في الكوكب في الماضي وذلك كما يقول الدكتور "هيد".
كما هو معروف فإن المنظومات المائية الحرارية الموجودة على سطح كوكب الأرض تحفل بالعديد من أشكال الحياة البسيطة. ويعتقد بعض العلماء أن منظومات مشابهة قد تخللت غلاف كوكب المريخ خلال المليار عام الأولى من عمره، ووصلت إلى عمق 30 ميلا أو أكثر من ذلك. والرادار يستطيع التحقق من وجود تلك المنظومات، كما يستطيع قياس مداها لتمكين العلماء من مقارنتها بالمواقع الموجودة على سطح الكوكب والتي يمكن للمهام المستقبلية أن تقوم بالحفر فيها بحثا عن عينات.
ومسبار MRO ليس هو المركبة الفضائية الوحيدة التي تحمل على ظهرها هذا النوع