يوم الثلاثاء الماضي نشرت "وجهات نظر" مقالاً للدكتور محمد عابد الجابري تحت عنوان "بين السبرانية والقبرانية"، وبعد قراءتي لهذا المقال أود القول: صحيح أن المسلم يمتلك رؤية ما عن الغيب إلا أنه لا يكاد يفرق بين غيب غارق في الزمن الماضي وآخر يستغرق في المستقبل. والرسول علمنا التفريق بينهما، فالأول ينقل إلينا عن طريق الآباء، ونبهت آيات القرآن إلى ذلك ونهانا الرسول عن التذمرنا من ماضينا، فقال لا تقولوا لو أن كذا لفعلت كذا ولكن قولوا قدر الله وما شاء فعل.
لقد أراد الدكتور محمد عابد الجابري إقناعنا بتأثير "عالم ثالث" سماه عالم الإنترنت، وهو عنده ينافس العالمين القديمين، ويمكن أن ينوب عنهما كلية لكنه أخطأ إذ لم يتح الانترنت لكل مسلم وإن حدث فالمنتفعون منه صنفين: من سخره ليخدم تطرفه ونشر أفكار الهدم المعشعشة في رأسه، ومن سخره ليخدم إحباطه فعينه ترى المتغيرات وقلبه يبكيها إذ ليس بمقدوره المشاركة في هذا المنتوج الحضاري. وفي الحالتين لا تأثير نفعياً على الهوية، كما أشار الجابري؛ فكيف إذن وهو يجعل هؤلاء الأقلية القليلة من "الانترنتيين" جماعة حاكمة علمياً، وبالتالي اقتصادياً في إطار رؤية للعالم، تؤطرها العولمة، ولا يد لها إطلاقا فيما جرى ويجري سوى المشاهدة. والتحضر الذي أشار إليه الكاتب لا علاقة له بمدينة أو ريف عربي، إنه مؤشر لثقافة إنسان يعيش على هامش حضارة الانترنت. صحيح أنها مشكلة التنمية والتي لا حل لها إلا بالتقليص الجدي لأميتنا وغربتنا عن آليات ومفاتيح المعيشة التي تلغي استعلاءنا الأجوف المليء بشعارات وعنتريات لا مضمون لها، لنستبدل مشاريعنا "الكارتونية" بمشاريع نوازن فيها بين ما نريده وبين ما هو ممكن، مودعين ثقافة ميتة، لنتوجه بعدها إلى ثقافة إنجاز تقوم على عمل جدي يتناغم مع عالمنا الثالث الذي اسماه كاتبنا بـ"السبراني"، ولنسأل أنفسنا كل 24 ساعة ماذا أنجزنا؟
خليل حلاوجي- الموصل