أثار قرار الحكومة الإسرائيلية ببدء الانسحاب الرسمي من قطاع غزة مزيجاً من الأفراح والتساؤلات العربية. جاءت الأفراح نتاجاً طبيعياً لمبدأ تحرير أي شبر من الأرض المحتلة، في حين تعلقت التساؤلات بالمستقبل نظراً لحصول هذا الانسحاب في إطار خطة شارون للانفصال من جانب واحد، وليس في إطار المفاوضات والتسوية السلمية. كذلك تعلقت التساؤلات بمصير الصراع السياسي الذي احتدم في إسرائيل بين شارون وبين الجناح المتطرف في "الليكود" بزعامة نتانياهو حول هذا الانسحاب.
ولا شك أن من حقنا كعرب أن ننحاز بمشاعر الفرح إلى شعبنا الفلسطيني الشقيق، فلقد كان من المستحيل أن تقع هذه السابقة الثانية في تاريخ الفكر السياسي الصهيوني لتفكيك المستعمرات بعد السابقة الأولى المتعلقة بمستعمرات سيناء من دون تلك المقاومة البطولية التي أظهرها قطاع غزة على مدى سنوات الاحتلال وفي سنوات الانتفاضة الأخيرة.
أما فيما يتعلق بالتساؤلات، فإن التساؤل الأول يتصل بخيارات المستقبل في ضوء التصميم الإسرائيلي على اعتبار الانسحاب جزءاً من خطة إسرائيلية منفردة. فهل يعني هذا الانسحاب المنفرد أن "خريطة الطريق" التي التزمت بها "الرباعية" الدولية ستتعرض للتجميد من جانب حكومة إسرائيل، وهو ما يعني فرض موازين التسوية الإسرائيلية من جانب واحد على المنطقة وعلى العالم؟ إن الإجابة على هذا السؤال تبقى في طي أفق مجهول، ما لم تتدخل "الرباعية الدولية" بقوة جارفة لتفتح هذا الأفق في وضوح كامل، وبإرادة سياسية كاسحة قادرة على اكتساح الموقف الإسرائيلي.
إن المخاوف الفلسطينية من جانب السلطة ومن جانب فصائل المقاومة تبدو مشروعة في إطار هذا الأفق المجهول. فالفكر الفلسطيني السياسي الذي يلح على خياره المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة في عام 1967 يدرك أن الجانب الإسرائيلى بأحزابه المتنوعة متجه إلى خيار الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الست الكبرى في الضفة الغربية وهى تمثل مع شبكة الطرق المؤدية إليها نسبة 40% من مساحة الضفة الغربية. ويعزز المخاوف الفلسطينية من هذا التوجه الإسرائيلي تلك الضمانات التي حصل عليها شارون من الإدارة الأميركية حول عدم العودة إلى حدود 67 مراعاة للاعتبارات الديمغرافية الجديدة التي يجسدها الاستيطان.
إن التساؤل الثاني في هذا السياق يتعلق بمستقبل قطاع غزة نفسه بعد استكمال الانسحاب والتساؤل يقول: هل ستصبح غزة من وجهة نظر القانون الدولي منطقة محررة غير خاضعة للاحتلال؟ والإجابة هنا متضاربة. فالطرف الفلسطيني يرى أن مجرد سحب المستوطنات لا يعنى تحرير غزة، حيث إن إسرائيل ستواصل السيطرة على المجال السيادي الخارجي للقطاع جوياً وبحرياً وبرياً، وهو ما يعني أن السيطرة الوطنية غير كاملة على الإقليم، وهو ما يترتب عليه من وجهة النظر الفلسطينية واجبات على دولة الاحتلال فيما يتصل بتوفير احتياجات المواطنين في القطاع من الإمدادات ولوازم المعيشة. هذا في حين صرح المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل لن تعتبر نفسها مسؤولة عن القطاع حيث إن تفسيرها للقانون الدولي يفيد أن مجرد خروج المستوطنين والقوات يعني أن القطاع لم يعد في وضع الإقليم الخاضع للاحتلال.
أما التساؤل الذي ينبثق من الصراع الداخلي في إسرائيل، فيقول على نحو صريح: هل يستطيع نتانياهو بالتحالف مع الحاخامات المتطرفين أن يكرر ما فعله عام 1995 مع إسحق رابين عندما نجح في خلق الأجواء السياسية التي أدت إلى اغتياله وتجميد مشروع التسوية، خاصة أن لديه فرصة الإطاحة السياسية بشارون داخل "الليكود"؟.