قرأت خلال الأسبوعين الماضيين كتابين يُسجلان فترة حكم صدام حسين، الأول بعنوان "سنوات صدام"، وجاء على لسان المترجم الشخصي لصدام حسين، وقام بتحرير الكتاب صحافيان فرنسيان. أما الكتاب الآخر فهو بعنوان "في ظل صدام.. فضائح غير معقولة"، وقد وضعه د. هيثم وهيب رئيس البروتوكول لنظام صدام حسين.
الكتاب الأخير هذا لم يكتب بصراحة الأول، وكان عبارة عن تسجيل وقائع عمل المترجم ومواقفه مع صدام وضيوف العراق من الرسميين، ولم يكشف الكثير من تصرفات رجل العراق الأول، ولا أعمال أولاده العابثة. وكان أن برر الكاتب أنه يحتاج لكثير من الوقت كي "يتحرر" من السجن السيكولوجي الذي حاصره فيه صدام أمداً طويلاً! الكتاب الثاني هو الذي يحوي آلام الشعب العراقي، وفظائع النظام.
ولأننا كعرب ننسى بسرعة، وتموت شعوبنا أو تُخدر بفعل السياسة، فإننا بحاجة دوماً إلى التذكير بما يحل بنا، على الأقل لا لنداوي جروحنا، بل لنأخذ العبرة وننقلها للأجيال القادمة. إن موت ابنيْ صدام حسين لا يُشفي غليل زوج شاب خطف عدي زوجته من بين يديه ولوّث شرفها أو قتلها! كما أن موت مليون طفل عراقي حُرموا من الأدوية نتيجة رعونة صدام ورفضه التجاوب مع الأمم المتحدة واستمرار الحظر على العراق، لا يساويه حبس صدام أو حتى قتله.
في هذا الكتاب يذكر رئيس البروتوكول الخاص بصدام، نوعية الحياة التي كان يحياها صدام حسين. كان هذا الرجل مولعاً بالقصور، ولعل قصر "الحبّانية" من أهمها، حيث كلف 180 مليون دولار، وكان يقاوم الزلازل والقنابل، إلا أن صدام لم يستخدمه قط. وبقدر احتفاظه بالسجاجيد الشرقية الغالية الثمن، يحتفظ -في عنابر خاصة- بنحو عشرة آلاف سيارة منها على الأقل 300 سيارة مرسيدس مصفحة دفع لها (800 ألف دولار). والغريب في شخصية صدام، أنه بقدر ترديده للأنفة العربية والكبرياء العربي وحضارة بلاد الرافدين، نجده يرسل "المؤلف" رئيس البروتوكول إلى لندن ليبحث عن ساحر عربي مقيم في بريطانيا، حيث ابتز هذا الساحر "المنافق والفظ ومن أصحاب السوابق" -كما يقول المؤلف- ابتز صدام حسين عشرين مليون دولار أنفقها على طاولات القمار. هذا، في وقت يتشرد فيه أبناء العراق الكرام، ولا يحصل بعضهم على لقمة العيش. ومن غرائب صدام حسين أنه يحب طائر "الهدهد"، ويحتفي بالمأثورات (أنه إذا تم زرع عظم من ذلك الطائر في جسم الإنسان، فإنه يحميه من جميع المخاطر)! وكان صدام يتمثل بملكة سبأ حيث اختار لجهاز الاستخبارات شعاراً يقول: "جئتك من سبأ بنبأ عظيم"، وهو حديث "الهدهد" في القرآن الكريم. عموماً يذكر المؤلف أن قصور صدام محاطة بالعرّافين من جميع الأنواع وكانت زوجته تستعين بهم.
قضايا تطليق النساء من أزواجهن أمرٌ عادي في حكم صدام، يقول المؤلف، إن صدام أعجب بزوجة أحد مديري شركة الطيران، فأمره بتطليقها لقاء تعيينه في مجلس إدارة شركة الطيران وتقديم منحٍ دراسية إلى ولديه وكذلك سيارة مرسيدس، وكان الحل الآخر هو القتل له ولولديه!
أما حكايات الخيانات والقتل العمد، فالكتاب يتحدث عن قيام صهر صدام بوضع قنبلة في طائرة ابن خال صدام "عدنان خيرالله" وزير الدفاع آنذاك وتفجيرها، ثم قيام صدام بالعفو عن صهريه اللذين فرّا إلى عمان، وعند الحدود العراقية- الأردنية يتم اعتقالهما وبالتالي قتلهما دون رحمة. كما أنه قتل أحد المعجبين بإحدى بناته وهو ضابط وسيم.
يتحدث الكتاب عن علي حسن المجيد الملقب "علي الكيماوي" الذي قتل في "حلبجة" بأمر من صدام، 180 ألف شخص معظمهم من الأكراد بالغاز. ويُقدر الكاتب أن "الكيماوي" مسؤول عن وفاة 360 ألف عراقي. وكانت أكثر أسلحته فتكاً هي الأحواض المملوءة بالأحماض. بعد اكتشاف المؤامرة عام 1988 أطلق النار على جميع المشتركين فيها، أما ابن عمه "التكريتي" فقد نُزعت ملابسه ورمي بلباس السباحة وجسمه مغمور بالزيت لرهط من كلاب الصيد "الدوبرمان" الجائعة. يذكر الكاتب كيف أن صدام استفتى مجلس الوزراء في قضية، حيث وقف بجانبه الجميع باستثناء وزير الصحة "رياض حسين"، الذي طلب من صدام العودة إلى الشعب العراقي. أشهر صدام مسدسه وأرداه قتيلاً، ونشرت الصحف العراقية أنه تم شنقه لخيانته. علم صدام بإشاعة عن انقلاب ضده في قاعدة جوية، وكل المتهمون فيها من أبناء عمومته التكريتيين، أوقف 27 طياراً وعذبوهم ثم أنهاهم قصيّ بـ"طلقة الرحمة" في رأس كل منهم. أوقف صدام ثمانين عضواً من عائلة الحكيم وعذبوا "ولم تراع حرمة النساء، قطعت أثداؤهن واغتصبن أمام أزواجهن وأخواتهن".
وكشفت المدافن الحديثة في مدن كالحلة وغيرها عن وجود 15 ألف جثة معظمهم من الشيعة المقتولين عقب انتفاضة 1991.
أما عن السرقات والملايين التي لعبت بها عائلة صدام وحزبه، فأكثر من أن تحصى. وبلغت ثروة صدام عام 1990، نحو 31 مليار دولار عن تأميم شركة "غولبنكيان". وكانت أرباح زوجة صدام -كما يقول الكتاب- من تموين اللحوم والدجاج قد وصلت إلى مليارين ونصف المليار دولار سنوياً. كما تملك "ساجدة" ورغد ورنا 36% من رأسمال شركة فولكس فاغن ف