بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، سيكون ذلك ثالث انسحاب تضطر إسرائيل الى تنفيذه من أرض عربية. فبعد سيناء المصرية، جاء الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000، وذلك بعد 18 عاما أرهقت الاحتلال الإسرائيلي بسبب ضربات المقاومة اللبنانية التي أبدعت أساليب جديدة في مواجهة المحتل الذي يحاول إدامة وجوده من خلال التفوق النوعي والإمكانات التسليحية الهائلة، حيث اضطرت إسرائيل في نهاية المطاف إلى الهرب ليلا ودون انتظار للضمانات التي توفرها لها القرارات الدولية المتعلقة والتي طالما رفضت تطبيقها قبل ذلك! ولعل المقاومة الفلسطينية في إطار الانتفاضة الثانية، استعارت هي أيضا بعض التكتيكات التي استخدمتها المقاومة اللبنانية، مما حول قطاع غزة إلى عبء لم يطقه زعيم "الليكود" المتطرف أرييل شارون، الذي كان قد وعد الإسرائيليين بسحق الإرادة الفلسطينية وإنهاء الانتفاضة وشطب المشروع الفلسطيني برمته من كل التداولات!
وأمام ثلاثة انسحابات في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، أحدها تم في إطار حرب تلاها تفاوض وتحكيم دولي، بينما حدث الاثنان الباقيان تحت ضربات السلاح الموجعة، ربما تجلى المغزى الأساسي لتلك التجربة، ألا وهو أن السياسة والقوة العسكرية يجب أن تظلا معا في حلبة الخيارات القائمة لإدارة الصراع، دون أن نكبل أنفسنا بخيار وحيد في معركة عمرها نصف قرن وتزداد تعقيدا وشدة!
أميرة عبد المؤمن- المغرب