أصدرت الولايات المتحدة في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر أكثر القوانين إثارة للجدل في إطار قوانين مكافحة الإرهاب وهو "القانون الوطني"، والذي يعطي الحكومة الأميركية حق مراقبة الاتصالات الهاتفية والانترنت والهاتف المحمول، فضلا عن حقوق أخرى تتعلق باعتقال مهاجرين وتبادل معلومات استخباراتية، وغيرها من صلاحيات تنتهك الحريات المدنية حتى للمواطنين الأميركيين. وقد ووجه القانون آنذاك بحملة من قبل اتحاد الحريات المدنية الأميركية ومنظمات حقوق الإنسان تخوفاً من الصلاحيات الواسعة التي يمنحها القانون للحكومة وتخوفا من انتهاكات محتملة للدستور الأميركي باسم الأمن الوطني. ورغم كل ذلك فقد استمرت الحكومة الأميركية بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل. أما على الضفة الأخرى من الأطلسي فقد استمر الجدل في بريطانيا تحديدا حول قوانين مكافحة الإرهاب التي صدرت بعد الحادي عشر من سبتمبر، وبموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطاني 2000 يحق للحكومة أن تقوم باحتجاز الأجانب المشتبه بضلوعهم في الإرهاب، كما لا يمكن إخضاع المشتبه بهم للمحاكمة لأن الأدلة على ضلوعهم في الإرهاب إما شديدة السرية أو لا يمكن قبولها في المحكمة. ومع ذلك فالحكومة البريطانية في ذات الوقت لا تستطيع ترحيلهم إلى بلدانهم لاحتمال تعرضهم للموت أو التعذيب. ووصف منظمة العفو الدولية تلك الإجراءات المندرجة تحت قانون مكافحة الإرهاب بأنها إجراءات إجرامية وتنتهك حق الحصول على محاكمة عادلة. ومن قوانين مكافحة الإرهاب المطبقة على الأجانب في بريطانيا انتقل الحديث لتطبيق القوانين على المواطنين البريطانيين وهذا ما أثار موجة من الجدل في وسائل الاعلام البريطانية ومنظمات حقوق الإنسان وصولا إلى مجلس العموم حتى جاءت تفجيرات السابع من يوليو لتعطي زخما لسياسات الحكومة فكان القانون الجديد لمكافحة الإرهاب.
سقطت بريطانيا في فخ الإرهاب فبدأت بتشديد إجراءاتها الأمنية وبدا أن الجدل حول قوانين مكافحة الإرهاب يخفت فللأمن القومي الأولوية خاصة بعد التفجيرات التي أعقبت الأولى في 21 من يوليو وبدا جليا أن خطر الإرهاب مازال مهيمنا على بريطانيا، فسارعت الحكومة البريطانية في الكشف عن بعض الخطوات التي تعتزم اتخاذها لمنع من وصفتهم بدعاة الإرهاب من دخول البلاد وفي طرد من هم موجودون فيها، كما ستوضع قائمة بالأنشطة المحظورة كالدعوة إلى الإرهاب ونشر المقالات التحريضية وتأسيس مواقع تدعو إلى الإرهاب على شبكة الانترنت. وسيدرج الأشخاص الذين يقومون بهذه الأعمال في أي مكان في العالم على هذه القائمة، بينما سيواجه المقيمون منهم في بريطانيا احتمال طردهم من البلاد. وهذا ما أكده وزير الداخلية البريطاني تشالز كلارك بأن العمل جارٍ في استصدار قوانين تحظر نشاطات معينة تشمل الإعداد للأعمال الإرهابية وتمجيدها والتدريب لها.
حوّل الإرهاب دول العالم "الحر" إلى دول بوليسية وبدا أن قوانين واتفاقيات حقوق الإنسان والتي تأسست منذ إصدار الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 أصيبت بشظايا الحرب على الإرهاب وقوانين مكافحة الإرهاب في كل دول العالم بلا استثناء سواء تلك التي صدقت على الاتفاقيات أو تلك التي لا تفقه أبجديات حقوق الإنسان، فهل ستسمح منظمات الحريات المدنية والمنظمات المستقلة لحقوق الإنسان لحفنة سياسيين بالقفز على كل التقدم الحاصل في حقوق الإنسان وحرياته؟ وهل ترضى باستنساخ ديكتاتوريات الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية في دول القانون والحريات؟ هي نكسة عظمى لاشك وقفزة إلى الخلف، وهو نجاح للإرهاب، فهناك حقائق للأسف نتعامى عنها، فصحيح أن الخوف من الإرهاب خوف مبرر ومسوغ وسياسات الحكومة المدعومة من وسائل الاعلام وجماعات الضغط خاصة المعادية للأجانب من شأنها أن تبرر سياسات مكافحة الإرهاب من قوانين وإجراءات تتحول معها الدول إلى حصون بوليسية تعطي صلاحيات واسعة لأجهزتها الأمنية تستنسخ باقتدار قوانين الطوارئ المطبقة في بعض الدول المتخلفة.
إن استخدام لفظ الإرهاب بحد ذاته يطرح أكثر من إشكالية على مستوى التعريف والتطبيق، فإن سلمنا بأن تعريف الإرهاب هو "الاستعمال الموجه للعنف أو التهديد به لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو إيديولوجية"، لكن هذا التعريف على بساطته وشموليته يحمل أكثر من وجه وأكثر من إشكالية فقد ينطبق على إرهاب الدول كما إرهاب الأفراد، إرهاب حركات التمرد وإرهاب حركات المقاومة، وهو بالنهاية تعريف غير مريح للاستخدام الرسمي. ولعل أبسط تعريف للإرهاب هو الذي استخدمه الكاتب الأميركي نعوم تشومسكي معرفاً الإرهاب بقوله: "الإرهاب هو الذي ينفذونه (هم) ضدنا"! وللعجب أن هذا التعريف ينطبق على الكل، أي طرفي المعادلة إن صح التعبير. فيمكن أن تستخدمه الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، وكذلك يمكن أن تستخدمه قاعدة بن لادن وقاعدة الزرقاوي في العراق، وكذلك هو ملائم لإسرائيل وحماس في ذات الوقت، أي بالنهاية هو تعريف مريح أخلاقيا. لذا فقوانين مكافحة الإرهاب لا تعتبر وحسب