على الرغم من أن الكثيرين قد استخدموا عبارات عديدة من قبيل "شيء لا يصدق" أو "معجزة" لوصف بقاء جميع ركاب الطائرة النفاثة التابعة لشركة "آير فرانس" على قيد الحياة على الرغم من تحطم الطائرة أثناء هبوطها في تورنتو بكندا مؤخراً، إلا أن الحقيقة كما يقول خبراء الطيران هي أن نجاة الركاب لا علاقة لها بالمعجزات وإنما هي نتاج عشرين عاما متواصلة من التطور التقني، ومن التدريب المكثف، وتطوير إجراءات الأمن والسلامة في مجال الطيران.
فأدوات مكافحة ومنع حدوث الحريق المطورة الموجودة في كبائن القيادة والمصممة لإبطاء انتشار ألسنة اللهب والدخان الخانق في حالة اندلاع النيران لإتاحة الفرصة لإخلاء الركاب، وأجهزة قياس ومتابعة حالات الطقس التي يمكن أن تحذر طاقم الطائرة وتنبهم إلى ضغط الرياح على جسم الطائرة، وخلايا كشف العواصف العنيفة، هي أدوات ووسائل ساهمت كلها في جعل الطيران اليوم أكثر أمانا مما كان عليه منذ عشرين عاما.
وعلى الرغم من أن معدل حوادث الطيران قد تقلص بنسبة ضئيلة إلا أن درجة خطورة تلك الحوادث أو الخسائر البشرية التي يمكن أن تنتج عنها قد تضاءلت إلى حد كبير للغاية عما كان عليه منذ تلك الفترة.
فقد توصلت دراسة حديثة أجراها المجلس الوطني لسلامة وسائل النقل بالولايات المتحدة الأميركية، إلى أنه في حوادث خطوط الطيران التجارية المصنفة كحوادث "يمكن النجاة منها" خرج ثلاثة أرباع الركاب الذين كانوا موجودين على متن تلك الطائرات أحياء.
وفي هذا السياق أدلى "داريل جنكينز" خبير الطيران بتصريح قال فيه:"الأنباء الطيبة هي أن عدد حوادث تحطم الطائرات الكارثية يقل على الدوام... وأن الطائرات الآن قد أصبحت مصنوعة بشكل جيد جدا، كما أن أطقم الطيارين والمضيفين أصبحت أفضل تدريبا بكثير، كما أن العديد من الأشياء التي كان يصعب التنبؤ بها فيما يتعلق بسلامة الطيران، قد أصبحت الآن أشياء تنتمي إلى الماضي".
ويقوم المحققون الكنديون حاليا بفحص الصندوق الأسود لطائرة أيرباص- 340 التي سقطت في تورنتو لتحديد سبب تحطمها. وفي حين أنه ليس هناك من هو على استعداد لاستباق نتيجة التحقيق، إلا إن الطيارين القدامى من ذوي الخبرة الواسعة في شؤون التحقيق في حوادث تحطم الطائرات يقولون إن المحققين الكنديين قد يركزون اهتمامهم على الماء الذي كان موجودا على ممر المطار باعتبار أنه قد يكون السبب الأساسي في تحطم الطائرة عند هبوطها.
ويقول "ستيف لاكي" الطيار التجاري المتقاعد والمحقق المتخصص في حوادث الطيران إن وجود ماء على أرضية ممر الهبوط مسألة مهمة جدا ويجب أخذها في الحسبان عند التحقيق في تحطم الطائرات لأن ما يحدث في الحقيقة هو أنه عند هبوط الطائرة بسرعة عالية على المدرج المغمور بالماء فإن إطارات الطائرات لا تلمس الإسفلت وتبدو في تلك الحالة وكأنها تنزلق على الماء مما يفقد الطيار سيطرته عليها تماما ويؤدي إلى وقوع حادث".
وفي الحقيقة أن التدريب على مواجهة مثل تلك الحالات يجب أن يكون دقيقا وشاقا كما هو عليه الأمر الآن. ومن المعروف أن الجزء الأكبر من هذا التدريب يتم داخل أجهزة طيران مقلدة تعمل بالكمبيوتر. ومن المعروف أن تلك الأجهزة المقلدة التي تحاكي النماذج الأصلية تعتبر وسيلة جيدة جدا لأنه" يمكن فيها محاكاة جميع الظروف المناخية التي يمكن أن تتعرض لها الطائرة مثل الرياح الشديدة التي لا يرغب معظم الطيارين في الطيران عبرها... فالتدريب على كيفية التصرف في حالة هبوب تلك الرياح باستخدام أجهزة المحاكاة يعد أفضل من مواجهتها في الواقع" هذا ما يقوله "ستيف لاكي" الطيار المتقاعد المتخصص في تحقيقات حوادث الطائرات.
وخبراء الطيران يقولون إن هذا الأمر ليس مهما للطيارين أو مساعديهم فقط ولكن مهم أيضا لأطقم الطائرات أيضا. وفي مدينة أوكلاهوما تمتلك إدارة الطيران الفيدرالي منشأة معروفة باسم المعهد الطبي للطيران المدني، وهو معهد يقوم بإجراء دراسات وأبحاث ترمي إلى تحسين معدل السلامة على خطوط الطيران الأميركية.
والباحثون العاملون في هذا المعهد يقومون بدراسة أشياء مثل: مدى اتساع ممر الخروج من الطائرة، وأفضل طريقة لجلوس الركاب خلال الطوارئ، وأفضل طريقة ممكنة للخروج من كابينة ممتلئة بالدخان وغيرها من الظروف التي قد يواجهها الركاب في حالة وقوع حادث.
ويقوم مدربو أطقم الطيران بالتوجه إلى مدينة أوكلاهوما أربع مرات في العام لتلقي التدريب على أيدي الباحثين العاملين في المعهد المذكور.
وحول هذه النقطة تقول "سينثيا كوربرت" الباحثة المتخصصة في العوامل البشرية في حوادث الطيران في المعهد :"هؤلاء المدربون يحصلون على خبرة عملية من الباحثين في المعهد، حيث يستخدمون ما يعرف باسم نموذج محاكاة (منزلق الإخلاء) الذي يتم ملؤه بالدخان عن طريق مضخات خاصة بحيث يتسنى لهم أن يجربوا بأنفسهم مدى الارتباك وفقدان الاتجاه الذي يمكن أن ينتج عن حدوث حريق أو تسرب دخان".
ومثل هذا النوع من التدريب يمكن أن يساعد أطقم مساعدي الطير