ثمة ما يثير القلق، على الصعيد العالمي، وهو تقلص فاعلية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وحماية الإدارة الأميركية الحالية لإسرائيل التي تخترق هذه المعاهدة بصراحة ومنعها إيران حتى الآن من امتلاك الطاقة النووية بالرغم من أن امتلاكها هذا لن يخترق المعاهدة طالما أنها لأغراض سلمية وتهديدها إيران بإحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن، حيث يجد المجلس نفسه غير متوازن. وهكذا جعلت إسرائيل العالم غير متوازن، ثم جعلته كذلك القوة الأميركية في المنطقة. ولم يشهد العالم في تاريخه انعدام التوازن كما يشهده اليوم. فالولايات المتحدة الأميركية أكبر قوة عسكرية واقتصادية وثقافية على وجه الأرض، يبدو سلوكها بعد احتلالها العراق محركاً كبيراً لردود الأفعال التي تقوم بها دول أو شعوب أخرى ذات تأثير على الأمنين العالمي والإقليمي. وتظهر لنا أرقام الميزانية العسكرية الأميركية الحجم الهائل لسطوة الإدارة الأميركية الحالية التي وصفت أنها بلغت نصف الإنفاق العسكري العالمي.
ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي المفوضة بالتحادث مع إيران وهي فرنسا وانكلترا وألمانيا قد أخفقت في منع إيران من امتلاك السلاح النووي بالرغم من أنها أعلنت أن أغراضها سلمية وغير عسكرية، فهددت بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن حيث تنتظر إيران عقوبات الولايات المتحدة الأميركية التي تقع تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي الذي يمتلك نفوذاً كبيراً في صوغ السياسة الأميركية الحالية التي هي في خدمة إسرائيل. ودول الاتحاد الأوروبي أخفقت في الإجماع على سياسة مشتركة حيال إيران.
وإذا كان الإرهاب وتنظيماته يشكلون التحدي الأول فإن مجموعة المعاهدات التي تحاول منع انتشار أسلحة التدمير الشامل، بسبب إسرائيل وحماية الإدارة الأميركية الحالية لها، تشكل التحدي الثاني. أما الدول الفاشلة أو المثقلة بالمشكلات فإنها تشكل التحدي الثالث. وقد ازدادت صعوبات هذه التحديات بفعل القوة الأميركية وتبنيها للخطر الإسرائيلي في الأمم المتحدة، وتتمثل هاتان الظاهرتان في الغضب والكراهية اللتين تقربهما الهيمنة الأميركية وإسرائيل في العالمين العربي والإسلامي، لا لتفوق الإدارة الأميركية الحالية ولكن لحمايتها إسرائيل القوة المحتلة، والأسلوب الذي تمارس به القوة وإلباس الواقعية السياسية ثوب المثل الأخلاقية العليا، فهي تتحدث بلغة أثينا ولكنها تتصرف مثل اسبرطة. ولا نريد أن تتخلى الإدارة الأميركية الحالية عن مصالحها في النفط وإنما تعرّف هذه المصالح بالأمن والمنافع الاقتصادية. لقد أصبح تعاون الآخرين ضرورياً، ولا يمكن الحصول على هذا التعاون إلا إذا توفرت الرغبة في مساعدة الآخرين على حل مشكلاتهم، وذلك بتنفيذ هذا التعاون على أساس شروط الآخرين أيضاً.
تعاني الإدارة الأميركية الحالية مشكلة القوانين الدولية التي تحكم استخدام القوة، مثل الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وتريد الإدارة الأميركية الحالية أن تكون هي صاحبة الحق الذي يقرر بشأن مدى وجود خطر فعلي من عدمه، ولذلك قرر الرئيس الأميركي بوش الابن أن يضم مبدأ جديداً إليه هو الاستباقية. وكأنه بذلك يعطي الحق لإسرائيل في عدوانها في 6/5/1967 يوم احتلت الضفة والقطاع والجولان وسيناء ووادي عربة.
ويجيز الميثاق لمجلس الأمن في مادته (39) أن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي غدت في الأمم المتحدة عتيقة جداً. فالأمم المتحدة صممت على أساس أن يكون في عضويتها 51 دولة وليس 191 كما هي عضويتها الحالية. لذلك من الضروري وضع معايير للجوء الأمم المتحدة للقتال من أجل تثبيت السلم والأمن الدوليين كأن تكون القضية التي تقاتل الأمم المتحدة من أجلها عادلة وأن يكون العمل العسكري صحيحاً بحيث يبدو ملاذاً أخيراً، وأن تكون الوسائل متناسبة مع الهدف واحتمالات النصر معقولة. أما المعيار الأخير فهو السؤال هل العمل العسكري قانوني؟.